ويجيء على مذهب من قال بوقف المحتمل بجعل هذا موقوفا لأنه محتمل.
( [القول فيما اجتمع فيه نفي وإثبات] )
:
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْجَامِعُ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَيَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهُمَا: الِاسْتِثْنَاءُ.
وَالثَّانِي: الشَّرْطُ.
والثالث: الغاية.
( [النوع الأول: الاستثناء] )
:
فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ: فَالْمُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَصْلٍ يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْضُهُ وَإِنْ قَلَّ، وَإِنْ رُفِعَ جَمِيعُهُ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا، وَيَثْبُتُ حُكْمُ الْأَصْلِ وَيَبْطُلُ حُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ لِيَصِحَّ بِهِ خُرُوجُ بَعْضِهِ.
فَإِنْ عَادَ إِلَى غَيْرِ جِنْسِهِ صَحَّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ.
وَأَجَازَ قَوْمٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى. وَأَبْطَلَهُ آخَرُونَ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى.
وَبَيَانُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي جَوَازِهِ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ هُوَ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَارًا فَلَا يُجْعَلُ لَفْظُ الدِّينَارِ اسْتِثْنَاءً مِنْ لَفْظِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ لَا يُجَانِسُهَا وَإِنَّمَا تُجْعَلُ قِيمَتُهُ مُسْتَثْنَاةً مِنَ الدَّرَاهِمِ، لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهَا فَصَارَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ ضِدَّ حُكْمِ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ إِثْبَاتًا صَارَ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْيًا، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ نَفْيًا صَارَ الِاسْتِثْنَاءُ إِثْبَاتًا.
وَإِنْ عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى جُمَلٍ مَذْكُورَةٍ تَقَدَّمَتْهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ إِلَى جَمِيعِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ إِلَى بَعْضِهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى جَمِيعِهَا مَا لَمْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٦] فَكَانَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَرْجِعُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إِلَّا أَنْ يَعُمَّهُ دَلِيلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] فَرَجَعَ ذَلِكَ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الدِّيَةُ دُونَ الْكَفَّارَةِ.
وَكَذَلِكَ مَا اخْتَلَفَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ