يَعْدِلُ بِالِاحْتِمَالِ إِلَى غَيْرِهَا لِيَكُونَ حُكْمُ النَّصِّ ثَابِتًا بِمَا يُؤَدِّي الِاجْتِهَادُ إِلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الِاحْتِمَالِ عَنْهُ وَتَعْيِينِ الْمُرَادِ بِهِ.
وَالَّذِي عِنْدِي وَأَرَاهُ أَوْلَى الْمَذَاهِبِ فِي الْمُطْلَقِ أَنْ يَعْتَبِرَ غِلَظَ حُكْمِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ.
فَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُطْلَقِ أَغْلَظَ حُمِلَ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَلَمْ يُقَيَّدْ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُقَيَّدِ أَغْلَظَ حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى إِطْلَاقِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، لِأَنَّ التَّغْلِيظَ إِلْزَامٌ وَمَا تَضَمَّنهُ الْإِلْزَامُ لَمْ يَسْقُطِ الْتِزَامُهُ بِالِاحْتِمَالِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا وَوَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلًا فِي إِطْلَاقِ الصِّفَةِ وَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي إِطْلَاقِ الْأَصْلِ.
مِثَالُهُ: أَنَّ مَسْحَ الْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ مُطْلَقٌ وَفِي الْوُضُوءِ تَقَيَّدَ بِالْمِرْفَقَيْنِ فَحُمِلَ إِطْلَاقُهُمَا فِي التَّيَمُّمِ عَلَى تَقْيِيدِهِمَا فِي الْوُضُوءِ بِالْمِرْفَقَيْنِ وَأُطْلِقَ ذِكْرُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ وَذُكِرَا فِي الْوُضُوءِ فَلَمْ يُحْمَلْ تَرْكُ ذِكْرِهِمَا فِي التَّيَمُّمِ عَلَى إِثْبَاتِ ذِكْرِهِمَا فِي الْوُضُوءِ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَرَافِقِ صِفَةٌ وَذِكْرَ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ أَصْلٌ.
وَذَهَبَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الصِّفَةِ وَالْأَصْلِ مَعًا، وَجَعَلَ إِطْلَاقَ ذِكْرِ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مَحْمُولًا عَلَى ذِكْرِ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَأَوْجَبَ فِيهِمَا إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، كَمَا حَمَلَ إِطْلَاقَ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ عَلَى تَقْيِيدِهِ بالأيمان في كفارة القتل.
وفي إِثْبَاتُ أَصْلٍ بِغَيْرِ أَصْلٍ.
فَإِذَا ثَبَتَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مَوْضُوعٌ لِهَذَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالشَّرْعِ الْمُسْتَقِرِّ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا شَرْعًا مَنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ.
وَإِذَا وَرَدَ مُقَيِّدَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِشَرْطَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَأُطْلِقَ ثَالِثٌ مِنْ جِنْسِهِمَا وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَلَمْ يَجِبْ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِ الْمُقَيَّدَيْنَ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْآخَرِ، وَحَمْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُقَيَّدِينَ عَلَى تَقْيِيدِهِ.
وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى تَقْيِيدِ نَظِيرِهِ فَيُنْظَرُ فِي صِفَتَيِ التَّقْيِيدِ فِيهِمَا.
فَإِنْ تَنَافَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَمْ يُحْمَلْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَاخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصِفَتِهِ الَّتِي قُيِّدَ بِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ تَقْيِيدِ صَوْمِ الظِّهَارِ بِالتَّتَابُعِ، وَتَقْيِيدِ صَوْمِ التَّمَتُّعِ