الِابْنَيْنِ وَأَنْكَرَهَا الْآخَرُ. فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ، فَلَا يَلْزَمُ الْمُقِرُّ بِهَا إِلَّا قَدْرُ حِصَّتِهِ وَهُوَ نِصْفُ الثُّلُثِ، بِوِفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ جَمِيعَ الدَّيْنِ مُسْتَحَقٌّ فِيمَا يُوجَدُ مِنْ قَلِيلِ التَّرِكَةِ وَكَثِيرِهَا. وَالْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ التَّرِكَةِ لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا مِنْ جَمِيعِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ مُعَيَّنَةٌ فِي ثُلُثَيْ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ، كَالْوَصِيَّةِ بِدَارٍ اعْتَرَفَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهَا الْآخَرُ: فَلَا تَخْلُو الدَّارُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أحدهما: أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي التَّرِكَةِ لَمْ يَقْتَسِمَاهَا، فَلَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ إِلَّا نِصْفُهَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ. لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إِلَّا النِّصْفَ، وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ فَإِذَا حَلَفَ، حُسِبَ عَلَى الْمُقِرِّ قِيمَةُ النِّصْفِ مِنْ حِصَّتِهِ.
فَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ وَصَّى بِجَمِيعِ هَذِهِ الدَّارِ لِزَيْدٍ، وَأَقَرَّ الْآخَرُ أَنَّهُ وَصَّى بِجَمِيعِهَا لِعَمْرٍو. كَانَ نصف الدار لزيد فمن حصته مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِعَمْرٍو. وَنِصْفُ الدَّارِ لِعَمْرٍو، وَهُوَ حِصَّةٌ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ، لِأَنَّهُ لَوْ تَصَادَقَ الْأَخَوَانِ عَلَى الْوَصِيَّتَيْنِ لَكَانَتِ الدَّارُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو نِصْفَيْنِ، وَقَدْ صَارَتْ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنِ التَّكْذِيبُ مُضِرًّا، وَانْتَقَلَتِ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَحَقُّ بِجَمِيعِهَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا وَتُقِرُّ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ، قَضَى بِجَمِيعِهَا لِلْحَالِفِ دُونَ النَّاكِلِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الدَّارُ قَدْ حَصَلَتْ فِي سَهْمِ الْمُقِرِّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ جَمِيعِهَا، لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَيَصِيرُ خَصْمًا لِأَخِيهِ فِي نِصْفِهَا، وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُنْكِرِ مُخَاصَمَةٌ، لِوُصُولِهِ إِلَى حَقِّهِ مِنَ الْمُقِرِّ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَ الدَّارُ قَدْ حَصَلَتْ فِي سَهْمِ الْمُنْكِرِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ بِهَا ولا بقيمتها، فإذا حلف المنكر برىء مِنَ الْمُطَالَبَةِ وَحَصَلَتْ لَهُ الدَّارُ وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِهَا.
فَإِذَا كَانَ الْمُقِرُّ عَدْلًا فَشَهِدَ عَلَى أَخِيهِ بِالْوَصِيَّةِ بِالدَّارِ سُمِعَتْ شَهَادَتُهُ وَحُكِمَ بِهَا عَلَى أَخِيهِ مَعَ شَاهِدٍ آخَرَ أَوْ مَعَ عَيْنِ الْمُوصَى لَهُ، وَانْتُزِعَتِ الدَّارُ مِنْ يَدِهِ بِالْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَخِيهِ بِبَدَلِهَا مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ وَإِنِ اعْتَرَفَ لَهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ جَاحِدٌ لِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute