وطء وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينِهِ لَا يُخْتَلَفُ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ، فَإِنْ فَاءَ فِيهَا بِالْوَطْءِ نُظِرَ فِي يَمِينِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ عَلَّقَهُمَا بِوَطْئِهِ، فَوَطْؤُهُ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى فَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ أنه لا كفارة عليه؛ لأن الله تَعَالَى جَعَلَ لِلْإِيلَاءِ حُكْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْفَيْئَةُ أَوِ الطَّلَاقُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ هُوَ الْكَفَّارَةُ لِمَا فِي إِيجَابِهَا مِنْ زِيَادَةِ حُكْمٍ عَلَى النَّصِّ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الفيئة بالغفران فقال تعالى {فإن فاؤوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] وَمَا غُفِرَ لَنْ يُكَفَّرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] فَلَمْ يُكَفَّرْ لَغْوُ الْيَمِينِ لِلْعَفْوِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ بِالطَّلَاقِ تَكْفِيرٌ لَمْ يَجِبْ بِالْفَيْئَةِ تَكْفِيرٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْإِيلَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) وَفَيْئَةُ الْمُولِي فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرِ خَيْرٌ مِنْهَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ التَّكْفِيرِ، وَلِأَنَّ يَمِينَ الْمُولِي أَغْلَظُ مِنْ يَمِينِ غَيْرِ الْمُولِي ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا بِيَمِينِهِ لَكَفَّرَ بِحِنْثِهِ، فَإِذَا كَانَ مُولِيًا فَأَوْلَى أَنْ يُكَفِّرَ؛ وَلِأَنَّ يَمِينَهُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَغْلَظُ مَأْثَمًا مِنْ يَمِينِهِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، فَلَمَّا لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ إِذَا حَنِثَ بِهِمَا فَأَوْلَى أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ إِذَا حَنِثَ بِاللَّهِ تَعَالَى.
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَحَلِّ الْقَوْلَيْنِ:
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مِنْ عُمُومِ الْفَيْئَةِ قَبْلَ الْمُدَّةِ وَبَعْدَهَا فِي أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَأَمَّا الْفَيْئَةُ قَبْلَ الْمُدَّةِ فَمُوجِبَةٌ لِلْكَفَّارَةِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمَوْضُوعَيْنِ بِأَنَّهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَأَوْجَبَتِ الْكَفَّارَةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَاجِبَةٌ فَجَازَ أَنْ تَسْقُطَ الْكَفَّارَةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إِذَا لَمْ تَجِبْ وَلَا يُوجِبُهَا إِذَا وَجَبَ، وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي حِنْثِ الطَّاعَةِ كَوُجُوبِهَا فِي حِنْثِ الْمَعْصِيَةِ فَأَمَّا حَلْقُ الْمُحْرمِ فَلَا شَبَهَ فِيهِ لِلْإِيلَاءِ، لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي وَقْفِهِ نُسُكٍ فَلَمْ يُكَفَّرْ فِي غَيْرِ وَقْفِهٍ فَلَيْسَ بِنُسُكٍ ثُمَّ يَسْتَوِي حُكْمُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute