وَالثَّانِي: أَنَّ مُسْتَحِقَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إِلَى الْعَفْوِ، وَقَدْ يُرْجَى بِحُضُورِهِ أَنْ يَرِقَّ قَلْبُهُ فَيَعْفُوَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَائِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ، فَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْمَوْضِعُ الَّذِي جوزه فيه إذا استأنف التوكيل اسْتِيفَائِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ.
وَالْمَوْضِعُ الَّذِي مَنَعَ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ إِذَا جَمَعَ فِي التَّوْكِيلِ بَيْنَ تَثْبِيتِهِ وَاسْتِيفَائِهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ظُهُورُ الْقُدْرَةِ لِيَعْفُوَ عَنْ قَدْرِهِ، فَلَمْ يَجُزِ الِاسْتِيفَاءُ إِلَّا بِحُضُورِهِ، وَإِذَا وَكَّلَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَقَدْ عُرِفَتْ قُدْرَتُهُ وَلَيْسَ مِنْ عَفْوِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ قَصْدٌ غَيْرُ الِاسْتِيفَاءِ فَصَحَّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ وَكَيْلُهُ وَقَدْ لَوَّحَ بِهَذَا الْفَرْقِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَمَّا اللِّعَانُ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ التَّوْكِيلُ وَالِاسْتِنَابَةُ، لِأَنَّهُ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ، وَالنِّيَابَةُ لَا تَصِحُّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي تَثْبِيتِهِ وَاسْتِيفَائِهِ لِأَنَّ عَفْوَهُ عَنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَصِحُّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute