سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرِيَّةِ بِأَكْلِهَا رُطَبًا ".
وَالرَّابِعُ مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ رَوَى حديثا فيه قلت لمحمود ابن لَبِيدٍ أَوْ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِمَّا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِمَا غَيْرِهِ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: وَسَمَّى رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ قُوتِهِمْ مِنَ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا.
الْخَامِسُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ الشَّكُّ مِنْ دَاوُدَ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْخَمْسَةُ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي الْعَرَايَا مِنْ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ اسْتَثْنَى الْعَرِيَّةَ مِنَ الْمُزَابَنَةِ فَلَمَّا كَانَتِ الْمُزَابَنَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا هِيَ بيع التمر الرطب فِي نَخْلِهِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْهُمَا هِيَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فِي نَخْلِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ أَجَازَ الْعَرِيَّةَ بِلَفْظِ الرُّخْصَةِ وَالرُّخْصَةُ مَا كَانَتْ بَعْدَ حَظْرٍ سَابِقٍ وَلَا تَكُونُ الْعَرِيَّةُ رُخْصَةً بَعْدَ حَظْرٍ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِنَا دُونَ مَذْهَبِ مَنْ خَالَفْنَاهُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا وَالْبَيْعُ مَا يَتَنَاوَلُ عِوَضًا وَمُعَوِّضًا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا.
وَالرَّابِعِ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهَا الْمُسَاوَاةَ بِالْخَرْصِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا فِي بَيْعِهَا بِالْجِنْسِ وَالْخَامِسِ أَنَّهُ أَبَاحَهَا فِي قَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَالْمُخَالِفُ لَا يَعْتَبِرُ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِهِ قَدْرًا مَخْصُوصًا، ثُمَّ حديث محمود بن لبيد مفسرا لَا احْتِمَالَ فِيهِ وَلَمْ يُسْنِدْهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنَ السِّيَرِ وَجَعَلَهُ مَعَ مَا أَسْنَدَهُ شَاهِدًا لِصِحَّةِ مَذْهَبِهِ، فَإِنْ قِيلَ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ واردة قبل تحريم الربا وَمِنْهَا أَنَّهُ اعْتُبِرَ فِيهَا التَّسَاوِي بِالْخَرْصِ وَهَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا غَيْرُ مُعْتَبِرٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ أَبَاحَهَا فِي قَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَهَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا غَيْرُ مُقَدَّرٍ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَدِلَّتِهِمْ فَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا مَخْصُوصٌ بِظَوَاهِرِنَا وَالْأَقْيِسَةُ مَدْفُوعَةٌ بِنُصُوصِنَا، ثُمَّ نَقُولُ إِنَّمَا جَازَتِ الْعَرِيَّةُ فيما كان على رؤوس النَّخْلِ وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا هُوَ عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ مَا عَلَى النَّخْلِ مُسْتَدَامُ الْمَنْفَعَةِ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مَسْلُوبُ الْمَنْفَعَةِ، وَجَازَتْ فِي الْقَلِيلِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَلَمْ تَجُزْ فِي الْكَثِيرِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا وَجَازَتْ بِالْخَرْصِ وَإِنْ لَمْ يَجُزِ الْخَرْصُ فِي الْبُرِّ لِأَنَّ كَيْلَ مَا عَلَى النَّخْلِ مُتَعَذَّرٌ وَكَيْلُ الْبُرِّ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ وَاخْتِلَافُ حُكْمِ حَالِهَا كَاخْتِلَافِ أَمَاكِنِهَا وَلَكِنْ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute