وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الزَّوْجَةِ أَنْ لَا تُطِيعَ لَهُ أَمْرًا، وَمِنَ الزَّوْجِ أَلَّا يُؤَدِّيَ لَهَا حقاً.
ثم قال: فإن خفتم أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت به، فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ نَفْسَهَا مِنَ الصَّدَاقِ الَّذِي أَعْطَاهَا لَا غَيْرَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالثَّانِي: مِنْ جَمِيعِ مَالِهَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نفساً} يعني من الصداق {فكلوه هنيئاً مريئاً} فَإِذَا أَبَاحَ أَنْ يَأْخُذَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ كَانَ بِالطَّلَاقِ أَوْلَى.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عن مالك عنه يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهَا عِنْدَ بَابِهِ بِالْغَلَسِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ. قَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ . قُلْتُ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ لِزَوْجِهَا، فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، تَذْكُرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ، فَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خذ مِنْهَا، وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا. يَعْنِي خُذْ مِنْهَا وَطَلِّقْهَا.
فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَحْكَامٍ مِنْهَا: جَوَازُ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُدَّعِيَ إِذَا عَرَّفَ الدَّعْوَى لَمْ يَحْتَجِ الْحَاكِمُ أَنْ يُعِيدَهَا عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ ضَرَبَهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الضَّرْبُ لِأَجْلِ الْخُلْعِ. وَمِنْهَا: جَوَازُ الْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ حَالِهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ لِأَمْرِهِ لها بالجلوس في أهلها.
فدل على مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ عَلَى جَوَازِ الْخُلْعِ وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ وَحُكِيَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ الْخُلْعَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثما مبيناً} فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخُلْعِ وَنَسْخِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِبَاحَتِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنَعَتْ مِنْ أَخْذِ مَا لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا وَلَمْ تَمْنَعْ مِمَّا بَذَلَتْهُ بِطِيبِ نَفْسٍ وَاخْتِيَارٍ كَمَا قَالَ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مريئاً} وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute