للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

( [سَرِيَّةُ كُرْزٍ لِلْعُرَنِيِّينَ] )

ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْعُرَنِيِّينَ سَرِيَّةَ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ فِي شَوَّالٍ

وَسَبَبُهَا: أَنَّ ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَسْلَمُوا وَاسْتَوْبَئُوا الْمَدِينَةَ، فَأَنْفَذَهُمْ إِلَى لِقَاحَةٍ بِذِي الْجَدْرِ نَاحِيَةَ قُبَاءَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَكَانُوا فِيهَا يَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، فَغَدَوْا عَلَى اللِّقَاحِ، فَاسْتَاقُوهَا، وَأَدْرَكَهُمْ يَسَارٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نَفَرٍ مَعَهُ فَقَاتَلَهُمْ، فَقَطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَغَرَسُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتَّى مَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِمْ عِشْرِينَ فَارِسًا مَعَ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ: فَأَدْرَكَهُمْ وَرَبَطَهُمْ وَأَرْدَفَهُمْ عَلَى الْخَيْلِ، وَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ بِالْغَابَةِ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ وَصُلِبُوا هُنَاكَ فَنَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الأرض فسادا أن يقتلوا} [الآية المائدة: ٣٣] ، فَمَا سَمَلَ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنًا، وَكَانَ اللِّقَاحُ خمس عشرة لقحة، فاستردت الألقحة وَاحِدَةٌ نَحَرُوهَا.

( [سَرِيَّةُ عَمْرٍو وَسَلَمَةَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ] )

ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّةَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وَسَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ بِمَكَّةَ.

وَسَبَبُهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ قَالَ لِقُرَيْشٍ: أَلَا رَجُلٌ يَغْتَالُ مُحَمَّدًا؛ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ رَاحِلَةً وَنَفَقَةً وَبَذَلَ لَهُ جُعْلًا، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ خَامِسَةٍ فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، وَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّ هَذَا لَيُرِيدُ غَدْرًا " فَذَهَبَ الْأَعْرَابِيُّ، لِيَجْنِيَ عَلَيْهِ فَجَذَبَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَوَجَدَ فِي إِزَارِهِ خِنْجَرًا، فَقَالٍ: دَمِي دَمِي، فَسَأَلَهُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ حَالِهِ: وَقَالَ: اصْدُقْنِي. قَالَ: وَأَنَا آمِنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِ وَمَا جَعَلَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ فِي قَتْلِهِ فَخَلَّاهُ فَأَسْلَمَ وَبَعَثَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ، وَكَانَ مِنْ فُتَّاكِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَعَهُ سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ؛ لِيُصَادِفَا مِنْ أَبِي سُفْيَانَ غِرَّةً، فَيَقْتُلَاهُ فَقَدِمَا مَكَّةَ وَطَافَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بِالْبَيْتِ فَرَآهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَعَرَفَهُ فَأَنْذَرَ بِهِ، وَقَالَ: مَا قَدِمَ هَذَا لِخَيْرٍ، فَطُلِبَ فَهَرَبَا؛ وَقَتَلَ عَمْرٌو نَفَسَيْنِ سَمِعَ أَحَدَهُمَا يَتَغَنَّى وَيَقُولُ:

(وَلَسْتُ بِمُسْلِمٍ مَا دُمْتُ حَيًّا ... وَلَسْتُ أَدِينُ دِينَ الْمُسْلِمِينَا)

فَقَتَلَهُمَا عَمْرٌو، ثُمَّ وَجَدَ فِي طَرِيقِهِ رَسُولَيْنِ لِقُرَيْشٍ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا، وَأَسَرَ الْآخَرَ، وَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ، وَجَعَلَ يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بحاله، وهو يضحك

<<  <  ج: ص:  >  >>