أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا الزِّنَا خَاصَّةً. وَمَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمناكِح الْفَاسِدَةُ وَمَا بَطَنَ السِّفَاحُ الصَّرِيحُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ " الْفَوَاحِشَ " جَمِيعُ الْمَعَاصِي. مَا ظَهَرَ مِنْهَا: " أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ وَمَا بَطَنَ ": اعْتِقَادُ الْقُلُوبِ.
وَفِي الإثم والبغي تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ " الْإِثْمَ " الْخِيَانَةُ فِي الْأُمُورِ و " البغي " التَّعَدِّي عَلَى النُّفُوسِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَشْهَرُ: أَنَّ " الْإِثْمَ " الْخَمْرُ " وَالْبَغْيَ " السُّكْرُ. وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(شَرِبْتُ الْإِثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي ... كَذَاكَ الْإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ)
وَاخْتُلِفَ بِأَيِّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ.
فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا حُرِّمَتْ بِالْآيَةِ الْأُولَى لِلتَّصْرِيحِ بِاسْمِ الْخَمْرِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ حُرِّمَتْ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِيهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قَالَ: " شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ " فَجَعَلَهُ مَقْرُونًا بِالشِّرْكِ لِتَغْلِيظِ تَحْرِيمِهِ. فَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُسْتَحِلًّا كَفَرَ بِهِ.
وَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اسْتَبَاحَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ شُرْبَ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: ٩٣] .
وَقَدْ قَالَ: قَدْ أَيْقَنَّا وَآمَنَّا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْنَا فِيمَا شَرِبْنَا، فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ
قِيلَ: قَدْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ مَا تَأَوَّلَهُ وَأَبْطَلُوهُ، فَرَجَعَ عَنْهُ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَسَادِ شُبْهَتِهِ، وَصَارَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنُّصُوصِ الْمَقْطُوعِ بِهَا.
وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لَهَا، كَانَ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ قَلِيلًا شَرِبَ مِنْهَا أَوْ كَثِيرًا، سَكِرَ منها أو لم يسكر، لقوله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حُرِّمَتِ الْخَمْرَةُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ " فِي رِوَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فِي رِوَايَةِ الْحِجَازِيِّينَ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَهَا صِرْفًا أَوْ مَمْزُوجَةً.