وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ " فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِلْغَنَمِ صِفَتَانِ السَّوْمُ، وَالْعَلْفُ، فَلَمَّا عَلَّقَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ انْتَفَتْ عَنِ الْأُخْرَى، فَصَرَّحَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " ليس في العوامل صدقةٌ " وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ ".
وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ " فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الثَّلَاثَةُ نُصُوصٌ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا. فَإِنْ قَالُوا إِنَّمَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهَا زَكَاةٌ لِأَنَّهَا لم تَبْلُغُ نِصَابًا فِي الْغَالِبِ. فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أنا إن سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَهُمْ غَالِبًا فِي الْبَقَرِ فَلَيْسَ بِغَالِبٍ فِي الْإِبِلِ، وَقَدْ يَمْلِكُ دُونَ النِّصَابِ سَائِمَةً، وَتَمَامُ النِّصَابِ مَعْلُوفَةٌ، فَيَصِيرَانِ نِصَابًا كَامِلًا، فَعُلِمَ أَنَّ نَصَّهُ عَلَى الْعَوَامِلِ لِسُقُوطِ الزَّكَاةِ فِيهَا لَا غَيْرَ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ خَصَّ الْمَعْلُوفَةَ بِنَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْهَا، وَحَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى مَا دُونَ النِّصَابِ يُسْقِطُ فَائِدَةَ التَّخْصِيصِ، لِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ وَالسَّائِمَةَ يَتَسَاوَيَانِ فِي ذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا صَدَقَةَ فِي الْإِبِلِ الْجَارَّةِ وَلَا الْقَتُوبَةِ ".
وَالْجَارَّةُ الَّتِي تُجَرُّ بِأَزِمَّتِهَا وَتُقَادُ.
والقتوية: التي يوضع على ظهورها الْأَقْتَابُ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي " غَرِيبِ الحديث " ولأنه جنس تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ بِحَوْلٍ وَنِصَابٍ، فَوَجَبَ أن يشرع نَوْعَيْنِ نَوْعٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَنَوْعٌ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلِأَنَّهُ مُبْتَذَلٌ فِي مُبَاحٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَالثِّيَابِ وَالْعَقَارِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَمْوَالِ النَّامِيَةِ كَالْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ.
(وَتَسْقُطُ فِي غَيْرِ النَّامِيَةِ كَالْآلَةِ وَالْعَقَارِ) وَالْعَوَامِلُ مَفْقُودَةُ النَّمَاءِ فِي الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّمَاءِ، كَمَا يُنْتَفَعُ بِالْعَقَارِ عَلَى جهة السُّكْنَى، فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ عَنْهَا الزَّكَاةُ كَسُقُوطِهَا عن العقار.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute