وَالْخَامِسُ: الْأَمَانَةُ لِأَنَّهَا بَيَانُهُ لِيُقْصَدَ بِهَا حِفْظُ الْمَالِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَنِيبِ فَأَشْبَهَ وَلِيَّ الْيَتِيمِ الذي إن خفيت خِيَانَتُهُ سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ.
وَالسَّادِسَةُ: الْفِقْهُ بِأَحْكَامِ الزَّكَوَاتِ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَمَا لَا تَجِبُ وَفِي مَقَادِيرِهَا وَقَدْرِ الْحَقِّ فِيهَا وَأَوْصَافِ مُسْتَحِقِّيهَا وَمَبْلَغِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنْهَا لِئَلَّا يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى نَظَرِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ كَالْحَاكِمِ إِذَا كَانَ جَاهِلًا وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ عَامِلِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ جَامِعَةٌ فَاحْتَاجَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَوِلَايَةُ عَامِلِ الصَّدَقَاتِ مَخْصُوصَةٌ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكُونَ عالما يعني بأحكامها، فَإِذَا تَكَامَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ السِّتَّةُ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا عَلَيْهَا وَسَوَاءً كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً وَإِنْ كَرِهْنَا تَقْلِيدَ النِّسَاءِ لِذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِنَّ مِنْ لُزُومِ الْخَفَرِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا جَازَ أَنْ تَلِيَ أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ جَازَ أَنْ تَلِيَ أَمْوَالَ الصَّدَقَاتِ فَأَمَّا أَعْوَانُ الْعَامِلِ مِنْ كُتَّابِهِ وَحُسَّابِهِ وَجُبَاتِهِ وَمُسْتَوْفِيهِ فَأُجُورُهُمْ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ لِعَمَلِهِمْ فِيهَا، وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْحُرِّيَّةِ وَالْفِقْهِ فِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ خَدَمٌ فِيهَا مَأْمُورُونَ وَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْبُلُوغِ وَالْفَضْلِ وَالْإِسْلَامِ وَالْأَمَانَةِ.
وَأَمَّا الرُّعَاةُ وَالْحَفَظَةُ لَهَا بَعْدَ قَبْضِهَا فَفِي أُجُورِهِمْ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي: مِنْ أَصْلِ الصَّدَقَاتِ فَأَمَّا أُجْرَةُ الْحَمَّالِينَ والنَّقَّالِينَ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَفِيهَا وَجْهَانِ: كَالرُّعَاةِ، وَالْحَفَظَةِ وَإِنْ كَانَتْ لِحَمْلِهَا لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَأُجُورُهُمْ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ وَجْهًا وَاحِدًا.
وَأَمَّا أُجُورُ الْكَيَّالِينَ وَالْوَزَّانِينَ وَالْعَدَّادِينَ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهَا عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ التَّسْلِيمِ وَالتَّمْكِينِ فَأَشْبَهَ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِي الْمَبِيعِ يَخْتَصُّ بِهَا الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهَا فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ مَكِيلٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَهَذَا مَكِيلٌ فِي حَقِّ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَصَارَ مَا يَلْزَمُ مِنْ أُجُورِ الْعَمَلِ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا كَانَ فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَهُوَ الْعَامِلُ وَأَعْوَانُهُ.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ مِنْ غَيْرِ سَهْمِ الْعَامِلِينَ وَهُوَ أُجُورُ الْحَمَّالِينَ وَالنَّقَّالِينَ إِلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ.
وَالثَّالِثُ: مَا كَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا اخْتَلَفَ أصحابنا فيه وهو أجرة الرعاة والحفظة فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ.