وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ أَوْ لِحَدِّ الزِّنَا، لَمْ يَثْبُتْ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّعْزِيرِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الزِّنَا نَقْصٌ عَنْ شُهُودِ الزِّنَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَثْبُتُ بِأَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحَدِّ فِي الْجِنْسِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ، كَمَا أَنَّ زِنًا الْعَبْدِ مُوجِبٌ لِنِصْفِ الْحَدِّ، وَزِنَا الْبِكْرِ مُوجِبٌ لِلْجَلْدِ، وَزِنَا الثَّيِّبِ مُوجِبٌ لِلرَّجْمِ، وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الشُّهُودِ لِاخْتِلَافِ الْحُدُودِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ، قُتِلَتِ الْبَهِيمَةُ الَّتِي أَتَاهَا، لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِقَتْلِهِ وَقَتْلِهَا. وَقَتْلُهَا لَيْسَ حَدًّا عَلَيْهَا لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْهَا.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا.
وَقِيلَ: لِئَلَّا تَأْتِيَ بِخَلْقٍ مُشَوَّهٍ.
وَقِيلَ: لِئَلَّا تَتَذَكَّرَ بِمُشَاهَدَتِهَا فِعْلَ مَنْ أَتَاهَا.
فَإِذَا قُتِلَتِ الْبَهِيمَةُ وَكَانَتْ لِغَيْرِ مَنْ أَتَاهَا، فَفِي وُجُوبِ غُرْمِ قِيمَتِهَا لِمَالِكِهَا وَجْهَانِ: -
أَحَدُهُمَا: لَا غُرْمَ لَهُ لِوُجُوبِ قَتْلِهَا بِالشَّرْعِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ قِيمَتُهَا لِاسْتِهْلَاكِهَا عَلَيْهِ بِعُدْوَانٍ.
فَعَلَى هَذَا فِي مُلْتَزِمِ قِيمَتِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى مَنْ أَتَاهَا.
وَالثَّانِي: فِي بَيْتِ الْمَالِ.
فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْبَهِيمَةُ مَأْكُولَةً، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُسْتَبَاحَةُ الْأَكْلِ، فَعَلَى هَذَا تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ، وَلَا تُغَرَّمُ، وَيَكُونُ ذَبْحُهَا وَاجِبًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُؤَكَلُ وَتُقْتَلُ، وَفِي وُجُوبِ غُرْمِهَا وَجْهَانِ.