للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفَرْقٌ فِي الْأُصُولِ بَيْنَ مَا ثَبَتَ بِالْعَقْدِ. فَيَصِحُّ فِيهِ الْجَهَالَةُ، وَمَا ثَبَتَ بِالشَّرْطِ، فَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْجَهَالَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَمَّا ثَبَتَ بِالْعَقْدِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا، وَخِيَارُ الْمُدَّةِ لَمَّا ثَبَتَ بِالشَّرْطِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا، وَكَذَا الْقَبْضُ إِذَا اسْتُحِقَّ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْوَقْتِ وَإِذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالشَّرْطِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْوَقْتِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الِافْتِرَاقَ يُؤَثِّرُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لَا فِي لُزُومِهِ كَالصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ:

فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ، لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ فِي الصَّرْفِ مُؤَثِّرٌ فِي لُزُومِهِ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ يَقَعُ الْفَسْخُ فِي الصَّرْفِ بِالِافْتِرَاقِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِعَدَمِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَإِذَا تَقَابَضَا، صَحَّ، وَلَمْ يَلْزَمْ إِلَّا بِالِافْتِرَاقِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَمَّا لَزِمَ الْبَيْعُ بِتَرَاضِيهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلِأَنْ يَكُونَ لَازِمًا بِتَرَاضِيهِمَا حِينَ الْعَقْدِ أَوْلَى:

فَهُوَ أَنَّ الرِّضَا بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْعَقْدِ يَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ:

نَوْعٌ يَكُونُ بِالصَّمْتِ، وَنَوْعٌ يَكُونُ بِالنُّطْقِ: فَأَمَّا الرِّضَا بِالصَّمْتِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَذَا الرِّضَا بِالصَّمْتِ حِينَ الْعَقْدِ لَا يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ. وَأَمَّا الرِّضَا بِالنُّطْقِ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدِ اخْتَرْتُ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ، فَهَذَا يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ.

وَمِثْلُهُ بِالنُّطْقِ فِي حَالِ الْبَيْعِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ سُقُوطُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَهَذَا قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ هَلْ يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ وَيَصِحُّ مَعَهُ الْعَقْدُ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يَصِحُّ مَعَهُ الْعَقْدُ، لِأَنَّ غَرَرَ الْخِيَارِ يَرْتَفِعُ بِهِ، وَيَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ مُوجِبٌ شَرْطِهِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ.

وَقَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا تَأَوَّلَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.

فَعَلَى هَذَا قَدِ اسْتَوَى حُكْمُ هَذَا الرِّضَا فِي لُزُومِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ مَعَهُ الْعَقْدُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا، لِأَنَّهُ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالشَّرْطِ، كَالْوَلَاءِ فِي الْعِتْقِ وَالرَّجْعَةِ فِي الطَّلَاقِ.

فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الرِّضَا يَلْزَمُ بِهِ الْبَيْعُ إِذَا كَانَ بَعْدَ العقد، ولا يلزم به البيع إِذَا كَانَ مَعَ الْعَقْدِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ بَعْدَ الْعَقْدِ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ خِيَارٍ ثَابِتٍ، فَصَحَّ إِبْطَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَحِينَ الْعَقْدِ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَ خِيَارٍ غَيْرِ ثَابِتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ إِبْطَالُهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، كَاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لَمَّا بَطَلَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِلرِّضَا بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، لَمْ يَبْطُلْ حَالَ الْبَيْعِ مَعَ الرِّضَا بِهِ، لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>