أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَوَّلَ الْخَبَرِ يَقْتَضِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ ".
وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ التَّبَايُعِ وَتَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ لِجَوَازِهَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَجَوَازِهَا قَبْلَهُ.
وَإِنَّمَا الْخِيَارُ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ، فَصَحَّ أَنَّهُ الْمُرَادُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ " فَهُوَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَلَوْ صَحَّ لَاحْتَمَلَ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ عَنْ صَفْقَةٍ وَخِيَارٍ، لِأَنَّهُ قَسَّمَ الْبَيْعَ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: صَفْقَةٌ، وَالثَّانِي: خِيَارٌ.
وَالْخِيَارُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ بَيْعًا إِلَّا مَعَ الصَّفْقَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ مَعْنَاهُ عن صفقة وخيار.
والثاني: أن مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
ضَرْبٌ: فِيهِ خِيَارُ الثَّلَاثِ.
وَضَرْبٌ: لَيْسَ فِيهِ خِيَارُ الثَّلَاثِ.
يُوَضِّحُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى مُطَرِّفٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ".
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ:
فَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ عَقْدٌ تُبْتَغَى بِهِ الْوَصْلَةُ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْخِيَارُ الْمَوْضُوعُ لِارْتِيَادِ أَوْفَرِ الْأَعْوَاضِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ تَكُنِ الرُّؤْيَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ، وَخَالَفَ سَائِرَ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنَ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ خِيَارَ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ فِيهِ وَإِنْ صَحَّ فِي غَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْكِتَابَةِ: فَهُوَ أَنَّ الْخِيَارَ مَوْضُوعٌ فِي الْعَقْدِ، لِارْتِيَادِ الْحَظِّ فِيهِ، وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْخِيَارُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ إِرْفَاقُ عَبْدِهِ، لَا طَلَبُ الْحَظِّ لِنَفْسِهِ إِذْ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي بَيْعِ مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ، فَسَقَطَ خِيَارُهُ.
وَلِأَنَّهُ لَيْسَ يُسْتَدْرَكُ بِهِ مَا خَفِيَ عَنْهُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَخِيَارُهُ ممدود، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْخِيَارِ الْمَجْهُولِ: فَهُوَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ، وَالْخِيَارُ الْمَجْهُولُ مِنْ مُوجِبَاتِ الشرط.