والثاني: أنها لا تجزي إلا أنثى كالواجبة فِي الزَّكَاةِ.
وَالثَّالِثُ: وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ، أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْإِبِلُ إِنَاثًا لَمْ تُجْزِ الشَّاةُ إِلَّا أُنْثَى، وَإِنْ كَانَتْ ذُكُورًا أَجْزَأَ ذَكَرًا وَأُنْثَى، اعْتِبَارًا بِوَصْفِ الْمَالِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْكِرَامِ كَرِيمٌ، وَمِنَ اللِّئَامِ لَئِيمٌ، فَأَمَّا الْوَقْصُ فَهُوَ مَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ كالأربعة إلى الخمس وَالْعَشَرَةِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ البويطي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ محمد بن الحسن، أَنَّ الْفَرْضَ مَأْخُوذٌ مِنْ جَمِيعِهِ، فَتَكُونُ الشَّاةُ مَأْخُوذَةً مِنَ التِّسْعَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أبو حنيفة وأبو يوسف، أَنَّ الشَّاةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْخَمْسِ، وَالْوَقْصَ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ عَفْوٌ، وَسَنَذْكُرُ تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ، وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ سبحانه، وإذا صَارَتِ الْإِبِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، انْتَقَلَ الْفَرْضُ مِنَ الْغَنَمِ إِلَى الْإِبِلِ، وَوَجَبَ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَبِهِ قَالَ كَافَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ شُعْبَةَ وَزُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ خَمْسُ شياه، وفي ستة وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ " وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَيْرُ ثَابِتَةٍ وَالْحِكَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ وَالشَّعْبِيِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَلَوْ سَلَّمْنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَكَانَتْ رِوَايَةُ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي خمسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مخاضٍ " أَوْلَى مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: ثِقَةُ الرُّوَاةِ، وَصِحَّةُ الْإِسْنَادِ.
وَالثَّانِي: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ مُتَّصِلٌ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَشَكُّهُمْ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ أَوْ مُتَّصِلٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لأن زهيراً يقول: أجبته عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَكَانَ الْحَدِيثُ الْمُتَّصِلُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إجماعاً أولى.
والثالث: أنه رواية أنس وابن عمر معول على جميعها، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ بَعْضِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ أَشْبَهُ بِأُصُولِ الزكاة من حديث عليّ عليه السلام، لأنه سَائِرَ النُّصُبِ لَا تَقْتَرِنُ حَتَّى يَتَخَلَّلَهَا وَقْصٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الزَّكَاةِ، فَأَمَّا صِفَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ، فَهِيَ: الَّتِي لَهَا سَنَةٌ كَامِلَةٌ وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ، لِأَنَّ أُمَّهَا قَدْ مَخَضَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute