وَالثَّانِي: أَنْ يَتَفَاضَلَ النَّوْعَانِ فِي الْعَدَدِ، فَإِنِ اسْتَوَى النَّوْعَانِ فِي الْعَدَدِ، فَكَانَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً عِشْرُونَ مِنْهَا ضَأْنٌ، وَعِشْرُونَ مِنْهَا مِعْزَى، فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُ شَاةٍ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ عَلَى قدر المالين، كأنا نَقُولَ قِيمَةُ جَذَعَةٍ مِنَ الضَّأْنِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَقِيمَةُ ثَنِيَّةٍ مِنَ الْمِعْزَى عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَتُؤْخَذُ نصف القيمتين فتكون خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، إِمَّا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ أَوْ ثَنِيَّةً مِنَ الْمِعْزَى، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَإِنْ تَفَاضَلَ النَّوْعَانِ فِي الْعَدَدِ فَكَانَ مَعَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً، ثَلَاثُونَ مِنْهَا ضَأْنٌ وَعَشْرٌ مِعْزَى، أَوْ كَانَتْ إِبِلًا أَوْ بَقَرًا مُخْتَلِفَةَ الْأَنْوَاعِ مُتَفَاضِلَةَ الْأَعْدَادِ، فَفِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُؤْخَذُ زَكَاتُهَا مِنَ الْأَغْلَبِ وَالْأَكْثَرِ اعْتِبَارًا بِمَا تَمَهَّدَ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَيَقْضِي عَلَى العدل بغالب أحوالهم وإن أساء على الغالب بِغَالِبِ فِسْقِهِ، وَإِنْ أَحْسَنَ، وَكَمَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنَ السَّائِمَةِ وَإِنْ عُلِفَتْ فِي الْحَوْلِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ، وَلِأَنَّ فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِهَا مَشَقَّةً لَاحِقَةً بِأَرْبَابِ الأموال يخرج من مَوْضُوعِ الْمُوَاسَاةِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ غَالِبِ مَالِهِ جَيِّدًا كَانَ الْغَالِبُ أَوْ رَدِيئًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِسَابِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، لِيَقَعَ الِاشْتِرَاكُ فِي النَّقْصِ وَالْكَمَالِ، لِأَنَّ حَقَّ الْمَسَاكِينِ شَائِعٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، وَلِأَنَّا إِذَا علقنا ذَلِكَ بِالْأَكْثَرِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ خِيَارُهُ فِي الْأَقَلِّ، فَنَكُونُ قَدْ بَخَسْنَا الْمَسَاكِينَ حَقَّهُمْ وَأَبَحْنَا رَبَّ الْمَالِ إِعْطَاءَ خَبِيثِ مَالِهِ، وَهَذَا خُرُوجٌ عَنِ النَّصِّ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيَاسًا على ما لم يختلف مذهبه فيه من الفضة إذا وجبت فَكَانَ بَعْضُهَا جَيِّدًا وَبَعْضُهَا رَدِيئًا لَزِمَ إِخْرَاجُ زَكَاتِهَا مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِهَا دُونَ غَالِبِهَا، كَذَلِكَ في الماشية، ويجوز ذلك قياساً أن يقال إنه جنس قَدِ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ كَالْفِضَّةِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا اعْتِبَارَ بِالْغَالِبِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِسَابِهِ وَقِسْطِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ عَشَرَةٌ مِنْهَا مَهْرِيَةٌ، وعشرة أرحبية، وخمسة محتدية، فقال قِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ مَهْرِيَّةٍ ثَلَاثُونَ دِينَارًا فَيُؤْخَذُ خمساها، لأن خمسي إبله مهرية فيكون اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، وَيُقَالُ قِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ أَرْحَبِيَّةٍ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَيُؤْخَذُ خُمُسَاهَا، لِأَنَّ خُمْسَيْ إبله أرحبية فيكون ثمانية دنانير ويقال قيمة بنت مخاض محتدية عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَيُؤْخَذُ خُمُسُهَا، لِأَنَّ خُمُسَ إِبِلِهِ محتدية فيكون دينارين، ثم تجمع الاثني عشر والثمانية والدينارين فيكون اثنين وعشرين، فيؤخذ من بِنْتُ مَخَاضٍ بِقِيمَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِينَارًا، إِمَّا مهرية أو أرحبية، أو محتدية، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الْبَقَرِ وَفِيمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ مِنَ الْإِبِلِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ وَاللَّهُ أعلم بالصواب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute