حَقِّهِ مِنَ الرَّهْنِ، فَكَذَلِكَ الْحَوْلُ مِنْ حُقُوقِ مِلْكِهِ، فَإِذَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ إِلَى وَرَثَتِهِ وَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ بِحَقِّهِ وَهُوَ الْحَوْلُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ إِنَّهُمْ يستأنفون الحول ولا يبنون، لأن الحول ثبت مع بقاء المالك، ويرتفع بانتقال الْمِلْكِ، وَلَا يَبْنِي مَنِ اسْتَفَادَ مِلْكًا عَلَى حول من كان مالكاً، كمن اتهب مَالًا أَوِ ابْتَاعَهُ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا أَجَابَ عَنِ احْتِجَاجِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ حُقُوقُ الْمِلْكِ ضَرْبَانِ: حَقٌّ لِلْمَالِكِ كَالشُّفْعَةِ وَالرَّهْنِ، وَحَقٌّ على الملك كالحول، فما كان حقاً للمالك انتقل للوارث مَعَ حَقِّهِ، وَمَا كَانَ حَقًّا عَلَى الْمِلْكِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إِلَى الْوَارِثِ دُونَ حَقِّهِ.
يُوَضِّحُ ذلك أن من مات من عَبْدٍ جُنِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَخْذِ أَرْشِهِ انْتَقَلَ الْعَبْدُ إِلَى مِلْكِ الْوَارِثِ مَعَ اسْتِحْقَاقِ أَرْشِهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ هُوَ لَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِصِفَةٍ فَقَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ فَانْتَقَلَ الْعَبْدُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ ثُمَّ وُجِدَتِ الصِّفَةُ لَمْ يُعْتَقْ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ الْحَوْلُ هُوَ حق على المالك فَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى الْوَرَثَةِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ فَلِلْوَرَثَةِ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْتَسِمُوا الْمَالَ قَبْلَ حَوْلِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ شَائِعًا بَيْنَهُمْ إِلَى انْقِضَاءِ حَوْلِهِ، فَإِنِ اقْتَسَمُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِيمَا عَجَّلَهُ الْمَيِّتُ، فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ التَّعْجِيلَ كَانَ لَهُمُ اسْتِرْجَاعُهُ وَالِاقْتِسَامُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ التَّعْجِيلَ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ اسْتِرْجَاعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا فَأَكْثَرَ لَزِمَتْهُمُ الزَّكَاةُ، فَإِنْ قيل إنهم يَبْنُونَ عَلَى حَوْلِ مَيِّتِهِمْ، كَانَ مَا عَجَّلَهُ الْمَيِّتُ مُجْزِئًا عَنْ زَكَاتِهِمْ، وَإِنْ قِيلَ إِنَّهُمْ يستأنفون الحول فهل يجزيهم تَعْجِيلُ مَيِّتِهِمْ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ " أَنَّ ذَلِكَ يجزئهم، لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَامُوا مَقَامَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ واقتضاءه قَامُوا مَقَامَهُ فِي تَعْجِيلِ زَكَاتِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أِنَّهُ لا يجزئهم، لِأَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَأْنَفُوا الْحَوْلَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يُجْزِهِمْ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْمَوْتِ، لأنه يصير تعجيلاً قبل وجوب النِّصَابِ وَالْحَوْلِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ كَانَ لَهُمُ اسْتِرْجَاعُهُ وَالِاقْتِسَامُ به، وإن لم يشترط التَّعْجِيلَ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ اسْتِرْجَاعُهُ، هَذَا إِذَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الْمَالَ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْتَسِمُوهُ حَتَّى حَالَ حَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا فَعَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ، وَيَكُونُ الْإِجْزَاءُ فِيمَا عَجَّلَهُ الْمَيِّتُ عَلَى مَا مَضَى، إِنْ قِيلَ إِنَّهُمْ يَبْنُونَ أَجْزَأَهُمْ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ يَسْتَأْنِفُونَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وإنما المال
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute