فَأَخَذَ عُمَرُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَرَزَقَهُ جَرِيبَيْنِ، وَمِنْ كُلِّ فَرَسٍ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَرَزَقَهُ عَشْرَةَ أَجْرِبَةٍ شَعِيرًا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَأَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُمْ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَمْ تَكُنْ جِزْيَةً، ثُمَّ صَارَ جِزْيَةً رَاتِبَةً فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَلَا يُعْطَوْنَ.
فَالدَّلَالَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّهُمْ سَأَلُوهُ وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَدَأَهُمْ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ قَالَ لَمْ يَأْخُذْ صَاحِبَايَ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَأَخَذَاهَا.
وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ اسْتَشَارَ وَلَوْ كَانَ نَصٌّ مَا اسْتَشَارَ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنْ أَمِنْتَ أَنْ لَا تَكُونَ جِزْيَةً رَاتِبَةً فَافْعَلْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَانَتْ رَاتِبَةً.
وَالْخَامِسُ: أَنَّ عُمَرَ أَعْطَاهُمْ فِي مُقَابَلَتِهَا رِزْقًا، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى: أَنْ يُقَالَ كُلُّ جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ لَا تَجِبُ الزكاة في ذكوره إِذَا انْفَرَدَتْ لَا تَجِبُ فِي ذُكُورِهِ وَإِنَاثِهِ كَالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ، وَعَكْسُهُ الْمَوَاشِي، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يُسْهَمُ لَهُ فَشَابَهَ الذُّكُورَ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَا يُضَحَّى بِهِ فَأَشْبَهَ الْحَمِيرَ، وَلِأَنَّهُ ذُو حَافِرٍ فَشَابَهَ الذُّكُورَ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَمْ يَجِبْ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالدَّجَاجِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَرِوَايَةُ غَوْرَكَ السَّعْدِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ استعمالاً وترجيحاً.
فَأَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَفِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَيَكُونُ ذِكْرُ الدِّينَارِ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَصَّ عَلَى السَّوْمِ وَالسَّوْمُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ، قِيلَ إِنَّمَا ذَكَرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ليفرق بينه وبين الغنم، فَلَا يَظُنُّ أَنَّ سَوْمَهَا مُسْقِطٌ لِزَكَاةِ التِّجَارَةِ كَمَا أَسْقَطَهَا مِنَ النَّعَمِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا التَّرْجِيحُ: فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ: " عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ " وَهُوَ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ بَعْضِهِ وَهُوَ الرَّقِيقُ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِعْمَالِ بَعْضِهِ وَهُوَ الْخَيْلُ، وَخَبَرُهُمْ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِعْمَالِ جَمِيعِهِ، فَكَانَ خَبَرُنَا أَوْلَى.
وَالثَّانِي: إِنَّ خَبَرَهُمْ مُتَقَدِّمٌ وَخَبَرَنَا مُتَأَخِّرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ " عَفَوْتُ " يَدُلُّ عَلَى إِيجَابٍ مُتَقَدِّمٍ، وَالْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَالْجَوَابُ عَنْهُ قَرِيبٌ مِنْ جَوَابِ مَا تَقَدَّمَ، أو يحمل