وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبِيعَ جَمِيعَهَا بَيْعًا مُطْلَقًا. فهل الأداء من غير ما استثنى فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلَيْنِ، كُلُّ أَصْلٍ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ اخْتِلَافُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الزَّكَاةِ، هَلْ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ؟
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: اخْتِلَافُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إذا جمعت شيئين متغايرن حَلَالًا وَحَرَامًا، أَوْ مِلْكًا وَمَغْصُوبًا، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْأَصْلَانِ فَالْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْرُ الزَّكَاةِ.
وَالثَّانِي: مَا عَدَا قَدْرَ الزَّكَاةِ فَأَمَّا قَدْرُ الزَّكَاةِ فَفِي بَيْعِهِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي الزَّكَاةِ هَلْ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ إِذَا قِيلَ إِنَّهَا وَجَبَتْ فِي الْعَيْنِ وُجُوبَ اسْتِحْقَاقٍ.
وَالثَّانِي: جَائِزٌ إِذَا قِيلَ إِنَّهَا وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ وُجُوبًا لَا تَعَلُّقَ لِلْعَيْنِ بِهَا، فإذا قيل بجواز القدر فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَهُوَ فِي الْبَاقِي أَجْوَزُ، وَإِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، فَفِيمَا عَدَا قَدْرِ الزَّكَاةِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
أَحَدُهُمَا: جَائِزٌ.
وَالثَّانِي: بَاطِلٌ، وَلِبُطْلَانِهِ عِلَّتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: إِنَّ اللَّفْظَةَ جَمَعَتْ حَلَالًا وَحَرَامًا، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَاشِيَةً يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا، أَوْ حبوباً يقدّر الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهَا.
وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّهُ بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ مَاشِيَةً بتقسط الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ حُبُوبًا يَتَقَدَّرُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، لِأَنَّ مَنْ بَاعَ قَفِيزَيْنِ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكٌ وَالْآخَرُ مَغْصُوبٌ بِدِرْهَمَيْنِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ ثَمَنَ الْمَمْلُوكِ دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيهِ جَهَالَةٌ، وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكٌ وَالْآخَرُ مَغْصُوبٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَثَمَنُ الْمَمْلُوكِ مَجْهُولٌ، لِأَنَّ الْأَلْفَ يَتَقَسَّطُ عَلَى قِيمَتِهِمَا، فَإِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي الْجَمِيعِ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ وَكَانَ الْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْبَاقِي، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالْفَسْخِ لِدُخُولِ النَّقْصِ وَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ الْمَبِيعُ إِلَى الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَقَامَ فَهَلْ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ وَقَسَّطَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute