للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَرْسُ، وَالزَّعْفَرَانُ وَالْقِرْطِمُ، وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِي خَامِسٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ الْعَسَلُ، فَأَمَّا الزَّيْتُونُ فَلَهُ فِي إِيجَابِ زَكَاتِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) {الأنعام: ١٤١) . فاقتضى أن يكون الأمر باتيان الْحَقِّ رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَبْلُ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالشَّامِ أَنْ يَأْخُذَ زَكَاةَ الزَّيْتُونِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصحَابة فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ عادة أهل بلاده جارية بإدخاره واقتنائه كالشام وغيرها مما يثكر نَبَاتُ الزَّيْتُونِ بِهَا، فَجَرَى مَجْرَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، فَاقْتَضَى أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَبِهِ قال ابن أبي ليلى والحسن بن أبي صَالِحٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: " لَا تَأْخُذِ الْعُشْرَ إِلَّا مِنْ أَرْبَعَةٍ الْحِنْطَةِ، والشَعِيرِ، وَالنَّخْلِ، وَالْعِنَبِ " فَأَثْبَتَ الزَّكَاةَ فِي الْأَرْبَعَةِ وَنَفَاهَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مَوْجُودًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا افْتَتَحَهُ مِنْ مَخَالِيفِ الْيَمَنِ وَأَطْرَافِ الشَّامِ فل يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخَذَ زَكَاةَ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ لَنُقِلَتْ عَنْهُ قَوْلًا وَفِعْلًا كَمَا نُقِلَتْ زَكَاةُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَلِأَنَّهُ وإن كثر من بِلَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَاتُ مُنْفَرِدًا كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ أُدْمًا، وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِي الْأَقْوَاتِ وَلَا تَجِبُ فِي الْإِدَامِ، فَإِذَا ثَبَتَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ فَلَا مَسْأَلَةَ، وَإِنْ قُلْنَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا شَيْءَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِلْخَبَرِ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ حِينَئِذٍ، وَلَا يَجُوزُ خَرْصُهُ، لِأَنَّ الزَّيْتُونَ مُسْتَتِرٌ بِوَرَقِهِ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِمُشَاهَدَتِهِ، وَلَيْسَ كَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ الْبَارِزِ الثَّمَرُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ، ثُمَّ لَهُ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِيرُ زَيْتًا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُوَنَ مِمَّا لَا يَصِيرُ زَيْتًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصِيرُ زَيْتًا اعْتُبِرَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْهُ، وَأُخِذَ عُشْرُهُ زَيْتُونًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصِيرُ زَيْتًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَيْتًا، لِأَنَّ الزَّيْتَ حَالَةُ ادِّخَارِهِ كَالتَّمْرِ، فَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ عُشْرُهُ زَيْتًا لَا غَيْرَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَيْتُونًا، لِأَنَّ الزَّيْتَ مُسْتَخْرَجٌ من الزيتون بصنعة وعلاج فلم يكن كحاله كالدبس والدقيق، فَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ عُشْرُهُ زَيْتًا لَا غَيْرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>