أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ لِلتِّجَارَةِ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ سَائِمَةً لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاتَانِ مَعًا، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِحُكْمِ الشِّرْكِ وَالْعُشْرَ يَجِبُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَا.
والدليل على ما قلناه مِنْ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ ولأنه حكم يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفَادِ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمُسْتَفَادِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ كَالْمَعَادِنِ، وَلِأَنَّ الْعُشْرَ [وَجَبَ بِالنَّصِّ وَالْخَرَاجَ وَجَبَ بِالِاجْتِهَادِ، وَمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ أَثْبَتُ حُكْمًا فَلَمْ يَجُزْ إِبْطَالُهُ بِمَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ حُكْمًا، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ] أُجْرَةٌ لَا جِزْيَةٌ، لِجَوَازِ أَخْذِهِ من المسلم، وإذا كان أُجْرَةً لَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ الْعُشْرِ كَالْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْمُحْرِمِ إِذَا قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا، وَاخْتِلَافُ حقهما أن العشر يَجِبُ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ وَالْخَرَاجَ دَارَهِمُ تَجِبُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَاخْتِلَافُ مُوجِبِهِمَا أَنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ فِي رَقَبَةِ الْأَرْضِ وُجِدَتِ الْمَنْفَعَةُ أَوْ فُقِدَتْ، وَالْعُشْرُ وَاجِبُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَسْقُطُ بِفَقْدِ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ بِالْآخَرِ تَشْبِيهًا بِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رواية إسحاق بْنِ عَنْبَسَةَ، وَقِيلَ إِنَّهُ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ مَنْعُ اجْتِمَاعِهِمَا دَالًّا عَلَى إِسْقَاطِ الْعُشْرِ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى إِسْقَاطِ الْخَرَاجِ، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ هَذَا الْقَلْبِ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ جزية تجب على الذمي ويسقط عن المسلمين وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا إِنْ صَحَّ، وَلَا أَرَاهُ صَحِيحًا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَكَرَ الْفِتَنَ ثُمَّ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهَا مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْفِتَنِ، وَلَوْلَاهَا لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْهَا فَكَانَ دَالًّا عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا مُبْطِلًا لِمَذْهَبِهِمْ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ فِي دِهْقَانِ نَهْرِ الْمَلِكِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ الْعُشْرِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إِيجَابِ الْخَرَاجِ، فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَجَبَ الْعُشْرُ لَأَمَرَ بِهِ، قِيلَ الْعُشْرُ إِنَّمَا يَجِبُ فِي الزَّرْعِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ حَصَادِ الزَّرْعِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْ أَمَرَهُ بِأَخْذِ الْخَرَاجِ، وَالِيًا عَلَى جِبَايَةِ الْعُشْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْعُشْرُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي رَقَبَةِ الْأَرْضِ وَالْعُشْرَ يَجِبُ فِي الزَّرْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute