كُلُّ مَالٍ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُ نِصَابِهِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا نَقَصَتْ قِيرَاطًا ثُمَّ تَمَّتْ، أَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَقَصَتْ دِرْهَمًا ثُمَّ تَمَّتْ، أَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ نَقَصَتْ شَاةً ثُمَّ تَمَّتِ اسْتَأْنَفَ لِجَمِيعِهَا الْحَوْلَ مِنْ حِينِ تَمَّتْ نِصَابًا، وَيَبْطُلُ حُكْمُ مَا مَضَى مِنْ حَوْلِهَا.
وَقَالَ أبو حنيفة: النِّصَابُ مُعْتَبَرٌ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ وَلَا اعْتِبَارَ لِنُقْصَانِهِ فِي أَثْنَائِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: النِّصَابُ مُعْتَبَرٌ فِي آخِرِ الْحَوْلِ دُونَ أَوَّلِهِ وَأَثْنَائِهِ احْتِجَاجًا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْوَرِقِ " فَإِذَا بَلَغَتِ خَمْسَ أَوَاقٍ فَفِيهَا الصَّدَقَةُ " فََجَعَلَ كَمَالَ النِّصَابِ غَايَةً لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ مَالٌ كَمُلَ نِصَابُهُ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ فَلَمْ يَكُنْ نُقْصَانُهُ فِي أَثْنَائِهِ مُسْقِطًا لِزَكَاتِهِ كَعُرُوضِ التِّجَارَاتِ إِذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّتْ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الْحَوْلُ " وَالْمَالُ الَّذِي كَمُلَ بِهِ النِّصَابُ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ حُكْمَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَاحِدٌ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ نَقَصَ نِصَابُهُ عَنْ حَوْلِهِ فَاقْتَضَى سُقُوطَ زَكَاتِهِ قِيَاسًا عَلَى نُقْصَانِهِ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ حَوْلِهِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَا تُعْتَبَرُ زَكَاةُ قِيمَتِهِ انْقَطَعَ نِصَابُهُ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، قِيَاسًا عَلَى تَلَفِ جَمِيعِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَاسْتِفَادَةِ مِثْلِهِ، وَلِأَنَّ النِّصَابَ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي استدامته كالجزية وَالْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ مَا اعْتُبِرَ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ اعْتُبِرَ فِي وَسَطِهِ كَالسَّوْمِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ قَدْرِ النِّصَابِ، وَاعْتِبَارُ الْحَوْلِ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ " لا زكاة على مال حتى يحول عليه الحول " فلم يكن فيه دلالة عَلَى عُرُوضِ التِّجَارَاتِ، فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي قِيمَتِهَا، وَفِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مَشَقَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ، لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي اعْتِبَارِ كَمَالِهِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ، وَلِأَنَّ عَرَضَ التِّجَارَةِ لَوْ بَاعَهُ بِعَرَضِ التِّجَارَةِ بَنَى عَلَى حوله فكذلك لم يعتبر كمال نِصَابِهِ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِ، وَلَوْ بَاعَ إِبِلًا ببقر لم يبن واستأنف بها الحول، فكذلك اعْتُبِرَ كَمَالُ نِصَابِهَا فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهَا وَاللَّهُ أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute