للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.... وَدَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ.

وَرَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ قَالَ: " هَذَا وضوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ ". وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوَضَّأَ مُنَكِّسًا لِأَنَّهُ يُقْبِلُ مُرَتِّبًا، ثَبَتَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مُرَتَّبًا، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُنَكِّسًا، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَرْجِعُ فِي حَالِ الْعُذْرِ إِلَى شَطْرِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّرْتِيبُ مِنْ شَرْطِهَا كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ فَرْضُهَا بِالتَّنْكِيسِ كَالطَّوَافِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ذَلِكَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَهَذَا الْقِيَاسُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ دُونَ أبي حنيفة لِأَنَّ أبا حنيفة يُجِيزُ الطَّوَافَ مُنَكَّسًا، وَلَا يُجِيزُهُ مَالِكٌ.

وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْنًى شُرِعَ فِي الطَّهَارَةِ وَجَبَ أَنْ يَتَنَوَّعَ فَرْضًا وَسُنَّةً كَالْغُسْلِ وَالْمَسْحِ فَفَرْضُ الْغَسْلِ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَسُنَّتُهُ الْكَفَّانِ وَالْمَضْمَضَةُ، وَفَرْضُ الْمَسْحِ الرَّأْسُ وَسُنَّتُهُ الْأُذُنَانِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا وَسُنَّةً فَفَرْضُهُ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَسُنَّتُهُ الْيُمْنَى قَبْلَ اليسرى فأما الجواب عن استشهادهم بقوله تعالى: {اسْجُدِي وَارْكَعِي} ، فَهُوَ أَنَّ الْوَاوَ وَإِنْ لَمْ تُوجِبِ التَّرْتِيبَ فَهِيَ لَا تُوجِبُ التَّنْكِيسَ وَإِنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا عَلَى تَقْدِيمِ اللَّفْظِ أَوْ تَأْخِيرِهِ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَتِهِمْ مُقَدَّمًا عَلَى الرُّكُوعِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِشْهَادِهِمْ بِقَوْلِهِ: قُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتُ فَهُوَ أَنَّهُ نَهَاهُ عَنِ الْوَاوِ وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلتَّعْقِيبِ لِأَنَّهَا لَا مُهْلَةَ فِيهَا وَلَا تَرَاخِيَ وَلَفْظَةُ ثُمَّ تُوجِبُ التَّعْقِيبَ وَالتَّرَاخِيَ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ رِوَايَتِهِمْ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ مَعَ ضَعْفِهِ وَأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أبي حنيفة تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ فَهُوَ نَقْلُ وَاقِعَةِ حَالٍ لَا يَجُوزُ التَّعْوِيلُ عَلَى عُمُومِهَا وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ اسْتِيعَابَ رَأْسِهِ بَعْدَ مَسْحِ بَعْضِهِ أَوْ نَسِيَ المرة الثانية والثالثة بعد الأولة فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ نقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>