صَوْمًا مُطْلَقًا، لَمْ يُجْزِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً أَوْ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَمَّا نَوَاهُ، وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَ مُقِيمًا انْصَرَفَتْ نِيَّتُهُ إِلَى رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا صَحَّ لَهُ مَا نَوَاهُ إِلَّا أَنْ يُطْلِقَ النِّيَّةَ، أَوْ يَنْوِيَ صَوْمَ التَّطَوُّعِ فَتَنْصَرِفُ نِيَّتُهُ إِلَى صَوْمِ رَمَضَانَ، وَسَوَّى أبو يوسف ومحمد حُكْمَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَصَرَفَا النِّيَّةَ فِيهِمَا إِلَى صَوْمِ رَمَضَانَ وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: زَمَانُ رَمَضَانَ مُسْتَحَقٌّ لِلصَّوْمِ، وَالشَّيْءُ إِذَا تَعَيَّنَ زَمَانُ اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ لَهُ كَزَمَانِ الْفِطْرِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا فِي الصَّوْمِ تَمْيِيزُ إِمْسَاكِ الْعِبَادَةِ مِنْ إِمْسَاكِ الْعَادَةِ وَالتَّعْيِينُ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ تَعْيِينُ الْفَرْضِ مِنَ النَّفْلِ، وَوَجَدْنَا صَوْمَ رَمَضَانَ لَا يَتَنَوَّعُ فَرْضًا وَنَفْلًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَفْتَقِرَ إِلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ لَهُ قَالُوا: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى فَرْضِهِ، وَكَذَلِكَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إِذَا نَوَاهُ عَنْ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ انتقلت بنته إِلَى فَرْضِهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) {البقرة: ١٨٥) وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْهَاءَ كِنَايَةٌ عَنِ الشَّهْرِ وَعَائِدَةٌ إِلَيْهِ، فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَلْيَنْوِ الصِّيَامَ لَهُ، وَلَوْ أَرَادَ جِنْسَ الصَّوْمِ مُطْلَقًا، لَقَالَ: فَلْيَصُمْ فَلَمَّا قَيَّدَهُ بِالْهَاءِ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ لَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى " فَصَرِيحُهُ أَنَّ لَهُ مَا يَنْوِيهِ وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَنْوِهِ، وَهَذَا إِذَا نَوَى تَطَوُّعًا لَمْ يَنْوِ صَوْمَ رَمَضَانَ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ الِاحْتِسَابُ لَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْوِهِ، وَكَانَ الظَّاهِرُ يُعْطِي حُصُولَ التَّطَوُّعِ لَهُ غَيْرَ أَنَّ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ أَبْطَلَهُ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَفْتَقِرُ قَضَاؤُهَا إِلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَفْتَقِرَ أَدَاؤُهَا إِلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، أَصْلُهُ الصَّلَاةُ وَعَكْسُهُ الْحَجُّ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الصَّوْمِ قَضَاءٌ كَانَ شَرْطًا فِيهِ أَدَاءٌ كَأَصْلِ النِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُسَاوِيَ حَكَمَ مُبْدَلِهِ، أَوْ يَكُونَ أَخَفَّ مِنْهُ، وَأَضْعَفَ، فَأمَّا أَنْ يَكُونَ آكَدَ مِنْهُ وَأَقْوَى فَلَا، ثُمَّ كَانَ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ وَاجِبًا، فَبِأَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي الْأَدَاءِ أَوْلَى، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ زَمَانَ رَمَضَانَ مُسْتَحَقُّ الصِّيَامِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، قُلْنَا فاسد بمن بقي عليه من وقت الصلاة قَدْرُ مَا يَفْعَلُهَا فِيهِ فَقَدِ اسْتَحَقَّ زَمَانَ فِعْلِهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِيهَا ثُمَّ يَبْطُلُ بِالْمُسَافِرِ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَوْ نَوَى رَمَضَانَ عَنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَجَزَأَ عَمَّا نَوَاهُ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِيهِ، فَعُلِمَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ التَّعْيِينَ إِنَّمَا يُرَادُ لِمَا يَتَنَوَّعُ فَرْضًا وَنَفْلًا، فَيَفْسَدُ أَيْضًا بِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَتَنَوَّعْ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْحَجِّ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّنَا مُجْمِعُونَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ، لِأَنَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةِ التَّطَوُّعِ انْتَقَلَ إِلَى فَرْضِهِ، وَأَجْزَأَهُ وَعِنْدَ أبي حنيفة: لَا يَنْتَقِلُ عَمَّا نَوَاهُ وَعِنْدَ أبي حنيفة إِذَا نَوَى صِيَامَ التَّطَوُّعِ انْتَقَلَ إِلَى فَرْضِهِ وَأَجْزَأَهُ، وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى فَرْضِهِ، وَلَا يُجْزِيهِ عَمَّا نَوَاهُ وَإِذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِجْمَاعًا لَمْ يُجْزِهِ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute