" لبيك عن شبرمة " فقال: ويحك! " ومن شبرمة؟ " فأخبره فقال " احجج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَيْسَ لِمَنْ لَمْ يُؤَدِّ فَرْضَ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ أَمْ لَا. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَازَ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ قَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، فَهَلْ تَرَى أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَلِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ، تَقَدُّمَ حَجِّهَا عَنْ نَفْسِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ شَبَّهَ قَضَاءَ الْحَجِّ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِرِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ فَقَالَ: حُجَّ عَنْ نبيشةٍ ثُمَّ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فَجَازَ أَنْ يَفْعَلَهَا عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مِثْلُهَا كَالزَّكَاةِ. وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شبرمةٍِ فَقَالَ لَهُ: أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ قَالَ: لَا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ.
وَرَوَى عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شبرمةٍ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ فَلَبِّ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَبِّ عَنْ نَفْسِكَ.
فَأَمَرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ حَجَّ نَفْسِهِ عَلَى حَجِّ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا الْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَدِ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِنَقْلِهِ إِلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ لِأَنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِحْرَامَ قَدِ انْعَقَدَ عَنْهُ لَا عَنْ غَيْرِهِ.
قِيلَ إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَنْقُلَ التَّلْبِيَةَ لَا الْإِحْرَامَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتَ حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ فَلَبِّ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَبِّ عَنْ نَفْسِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَهُ بِفَسْخِ مَا انْعَقَدَ مِنَ الْإِحْرَامِ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ كَانَ الْفَسْخُ جَائِزًا فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَخَ الْحَجَّ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَنَقَلَهُمْ إِلَى الْعُمْرَةِ قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الْفَسْخَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute