وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: وَأَحْكَامُ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ عَامِرُ الشَّعْبِيُّ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ، وأبو حنيفة، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَهُ قَوْلًا ثَانِيًا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إِنَّمَا ذَكَرَهُ حِكَايَةً عَنْ مَذْهَبِ غَيْرِهِ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّهَا سُنَّةٌ بِمَا رَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ فَقَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ وَبِمَا رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: الْحَجُّ جهادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُعٌ وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ التَّتَبُّعِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا كَطَوَافِ اللُّزُومِ، وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ كَانَتْ وَاجِبَةً بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَانَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعُمْرَةِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ عُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَالِاعْتِكَافِ قَالُوا: وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ اخْتُصَّتْ بِزَمَانٍ كَانَ جِنْسُهَا نَفْلٌ يَتَكَرَّرُ، فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ نَفْلٌ يَتَكَرَّرُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ نَفْلُ الْحَجِّ لِتَكَرُّرِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى وجوبها قوله تعالى: {فَأَتِمّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ) {البقرة: ١٩٦) وفيه قرأتان:
إِحْدَاهُمَا: قَرَأَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ) {البقرة: ١٩٦) وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ إِذَا صَحَّتْ جَرَتْ مَجْرَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: قِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ للهِ) {البقرة: ١٩٦) وَالدَّلَالَةُ فِيهَا من وجهين:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute