بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَلِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ يَجِبُ بِشَيْئَيْنِ فوات، وفساد، فلما وجب بفوات الْقَضَاءِ وَالتَّكْفِيرِ بِشَاةٍ وَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِالْفَسَادِ الْقَضَاءُ وَالتَّكْفِيرُ بِشَاةٍ.
وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ أَحَدُ سَبَبَيْ مَا يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَوَجَبَ أَنْ يُوجِبَ التَّكْفِيرَ بِشَاةٍ كَالْفَوَاتِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هريرة وأبي موسى أَنَّ عَلَى الْوَاطِئِ فِي الْحَجِّ بَدَنَةً وَلَمْ يُفَرِّقُوا قَبْلَ عَرَفَةَ وَبَعْدَ عَرَفَةَ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَقْوَى مِنْهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْوَطْءَ يُوجِبُ الْبَدَنَةَ بَعْدَ الْوُقُوفِ اتِّفَاقًا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ يُوجِبُ الْبَدَنَةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ حُجَّاجًا.
وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ وطء عمد صادق إِحْرَامًا لَمْ يَتَحَلَّلْ شَيْئًا مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ تجب فيه بدنة كالوطء بعد الوقوف بعرفة، وَلِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ يُوْجِبُ الْفِدْيَةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ، فَالْفِدْيَةُ الْوَاجِبَةُ قَبْلَ الْوُقُوفِ كَالْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ بَعْدَهُ قِيَاسًا عَلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى، ولأن كل عبادة يجب الوطء فِيهَا الْكَفَّارَةُ مَعَ الْقَضَاءِ فَتِلْكَ الْكَفَّارَةُ هِيَ الْعُلْيَا كَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ بِهِ التَّغْلِيظُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَبَاطِلٌ بِالْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ، عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَغْلِيظٌ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى إِيجَابِهَا مَعَ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قَدْرِهَا، وَأَمَّا جَمْعُهُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لأن الكفارة إنما تغلظ لِغِلَظِ الْفِعْلِ وَعِظَمِ الْإِثْمِ وَالْفَسَادُ بِالْوَطْءِ مَعْصِيَةٌ يعظم إِثْمِهَا وَقَدْ لَا يَكُونُ الْفَوَاتُ مَعْصِيَةً يَأْثَمُ بِهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ افْتِرَاقِهِمَا فِي الْمَعْصِيَةِ فَهَذَا حُكْمُ. الْقَسَمِ الْأَوَّلِ فِي الْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وكذا حكمه لو كان في عرفة.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَطَأَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَبْلَ الْإِحْلَالِ الْأَوَّلِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي وُجُوبِ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ فَسَادُ الْحَجِّ؛ وَوُجُوبُ الْإِتْمَامِ، وَلُزُومُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَهِيَ بَدَنَةٌ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَوَافَقَ فِي الْبَدَنَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فِيهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَخَالَفَ فِي فَسَادِ الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا فِيهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ اسْتِدْلَالًا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحَجُّ عَرَفَةُ فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ " فَعَلَّقَ إِدْرَاكَ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَفِيَ وُرُودُ الْفَسَادِ بَعْدَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ يَمْنَعُ مِنْ إِدْرَاكِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ حَجٌّ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْفَوَاتُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْوَطْءِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ قَضَاءُ الْحَجِّ يَجِبُ بِالْفَوَاتِ كَمَا يَجِبُ بِالْفَسَادِ، ثُمَّ تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَوَاتَ يَسْقُطُ بِالْوُقُوفِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ يَسْقُطُ بِالْوُقُوفِ.
وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قياساً أن أَحَدُ سَبَبَيْ مَا يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِالْوُقُوفِ كَالْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْوَطْءِ لِأَجْلِ بَقَاءِ الرَّمْيِ يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute