الْمِثْلُ فِي الْجَزَاءِ رَاجِعٌ إِلَى جَمِيعِ الصَّيْدِ، وَالْمِثْلُ فِي جَمِيعِهِ واحدٌ، فَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِنَ النَّعَمِ مِثْلٌ الْقِيمَةَ دُونَ مَا كَانَ مِثْلًا فِي الشَّبَهِ والصورة إذ المراد بالمثل في جميع الصيد الْقِيمَةَ دُونَ مَا كَانَ مِثْلًا فِي الشَّبَهِ وَالصُّورَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلًا وَاحِدًا لِجَمِيعِ الصَّيْدِ، فَيَجْعَلَ لِمِثْلِ بَعْضِهِ حُكْمًا وَلِمِثْلِ بَاقِيهِ حُكْمًا.
وَرُبَّمَا جَوَّزُوا هَذَا الِاسْتِدْلَالَ قِيَاسًا فَقَالُوا: لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَمْنُوعٌ مِنْ إِتْلَافِهِ بِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِقَتْلِهِ قِيمَتُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنَ الْعُصْفُورِ وَغَيْرِهِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مضمونة فوجب؛ إذ لَمْ تُضْمَنْ بِالْمِثْلِ مِنْ جِنْسِهَا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِقِيمَتِهَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ إِيجَابَ مثله في الشبه والصوت يُفْضِي إِلَى أَنْ يَجِبَ فِي مُتْلَفٍ وَاحِدٍ بدلان مختلفان فليزم مَنْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ، وَهِيَ مِثْلٌ وَجَزَاؤُهُ بِالْمِثْلِ فِي الشَّبَهِ وَالصُّورَةِ، وَهِيَ مِثْلٌ فَيَخْتَلِفَ الْمِثْلَانِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ؛ وَهَذَا فِي الْأُصُولِ مُمْتَنِعٌ؛ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَجَزاءٌ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمِثْلَ، وَإِطْلَاقُ الْمِثْلِ يَتَنَاوَلُ الْمِثْلَ فِي الصُّورَةِ وَالْجِنْسِ حَتَّى يَجِبَ فِي النَّعَامَةِ نعامةٌ، وَفِي الْغَزَالِ غَزَالٌ فَلَمَّا قَيَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ انْصَرَفَ الْمِثْلُ عَنِ الْجِنْسِ إِلَى الْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ بقي الْمِثْلُ فِي الشَّبَهِ وَالصُّورَةِ عَلَى مَا كَانَ يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنَ الْاسْتِدْلَالِ بها أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمِثْلَ مِنَ النَّعَمِ وَالْقِيمَةَ إِنْ كَانَتْ مِثْلًا فَهِيَ مِنَ الدَّرَاهِمِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْدَلَ عَمَّا نَصَّ اللَّهُ تعالى عليه من النعم إلى ما لا يَنُصَّ عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَلَمْ يَقُلْ: " فجزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ الدَّرَاهِمِ " تَصَرَّفَ فِي النَّعَمِ فَيَصِحُّ لَهُمُ الْمَذْهَبُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: مِنَ الْاسْتِدْلَالِ بِهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وَذَلِكَ كِنَايَةٌ تَرْجِعُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ يَخْلُو أَنْ تَرْجِعَ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَوْ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ.
فَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ كَانَتْ رَاجِعَةً إِلَى الْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عدلٍ، وَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِ كَانَتْ رَاجِعَةً إلى النعم، وأبو حنيفة: الْكِنَايَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَحْكُمْ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} لَيْسَتْ رَاجِعَةً إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَا إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِ