مَحِلَّهُ {البقرة: ١٩٦) ، وَلِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَهَا، فَكَذَلِكَ الْهَدْيُ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنْهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى إِحْرَامِهِ إِلَى أَنْ يَجِدَ الْهَدْيَ، فَيَتَحَلَّلَ بِهِ.
والقول الثاني: له أن يتحلل في المال قَبْلَ وُجُودِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ بَدَلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَالْأَفْعَالُ مُبْدَلَاتٌ مِنَ الْهَدْيِ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنَ الْمُبْدَلِ قَبْلَ فِعْلِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، فَأَوْلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنَ الْبَدَلِ قَبْلَ فِعْلِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا: إن الحلاق نسك يقع به الإحلال، ويتحلل بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِبَاحَةٌ بَعْدَ حَظْرٍ، نَوَى الْإِحْلَالَ، فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ حَلَّ، وَإِذَا قُلْنَا: لِهَدْيِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُحْصَرِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَادِمًا لِلْهَدْيِ بِالْإِعْسَارِ، أَوْ عَادِمًا لِلْهَدْيِ لِتَعَذُّرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ، فَإِذَا كَانَ عَادِمًا لِلْهَدْيِ بإعساره، فبدله الصوم، وفيه ثلاثة أقاويل:
أَحَدُهَا: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، مِثْلَ كَفَّارَةِ الْأَذَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كَالْمُتَمَتِّعِ.
وَالثَّالِثُ: يُقَوِّمُ الْهَدْيَ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، وَيَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، مِثْلَ جَزَاءِ الصَّيْدِ.
وَإِنْ كَانَ عَادِمًا لِلْهَدْيِ لِتَعَذُّرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ، فَهَلْ يَكُونُ الْمُبْدَلُ الَّذِي يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ طَعَامًا أَوْ صِيَامًا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: الصِّيَامُ كَالتَّمَتُّعِ الَّذِي يَنْتَقِلُ فِيهِ عَنِ الدَّمِ إِلَى الصِّيَامِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْإِطْعَامِ، فَعَلَى هَذَا فِي الصَّوْمِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ - عَلَى مَا مَضَتْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى الْإِطْعَامِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى نَفْعِ الْمَسَاكِينِ مِنَ الصِّيَامِ، فَعَلَى هَذَا فِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْهَدْيَ دَرَاهِمَ، وَيَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ طَعَامًا كَجَزَاءِ الصَّيْدِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصُعٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، كُلُّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ، كَفِدْيَةِ الْأَذَى.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ، كَفِدْيَةِ الْأَذَى، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ عَدَلَ إِلَى الصِّيَامِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ مَضَتْ، وَإِنْ عَدَلَ إِلَى الْإِطْعَامِ فَفِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ مَضَيَا، ثُمَّ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ قَبْلَ الصَّوْمِ أَوِ الْإِطْعَامِ أَمْ يكون على إحرامه حتى يأتي بالصوم أو الإطعام؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ قَبْلَ الإتيان به.