للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مَالِكٌ: فَلَمَّا جَعَلَ التَّسْمِيَةَ عَلَى بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْعَشْرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَ مِنْهَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَمَّا قَالَ: {لِيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ) {الحج: ٢٨) يَعْنِي: الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ دَلَّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ وَمَا قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لَيْسَ مِنْهَا.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَا: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُمَا بِاسْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُسَمَّيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِكَا فَإِذَا انْفَرَدَا وَلَمْ يَشْتَرِكَا ثَبَتَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَفْرَدَهُمَا جَعَلَ الْعَشْرَ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ، وَأَيَّامَ التشريق من المعدودات وقال تعالى: {وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) {الفجر: ٣) قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: " وليالٍ عشرٍ " يعني: عشر ذي الحجة " والشفع " يعني: يوم النحر والوتر يعني يوم عرفة فلما جعل في الْعَشْرِ الَّتِي شَرَّفَهَا وَأَقْسَمَ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَعَرَفَةَ وَهُمَا مِنَ الْمَعْلُومَاتِ عَلِمَ أَنَّ مَا دَخَلَا فِيهِ مِنَ الْعَشْرِ كُلِّهِ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ وروى ابن أبي حسين بن جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذبحٌ " وَمَالِكٌ يَمْنَعُ مِنَ الذَّبْحِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَلِأَنَّ يَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ يَوْمٌ يُسَنُّ فِيهِ رَمْيُ الْجَمَرَاتِ الثلاث فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ كَالثَّالِثَ عَشَرَ، وَلِأَنَّ مَا دَخَلَ فِي أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ انْتَفَى عَنِ الْآخَرِ كَالْعَاشِرِ لَمَّا دَخَلَ فِي الْمَعْلُومَاتِ انْتَفَى عَنِ الْمَعْدُودَاتِ وَكَالثَّالِثَ عَشَرَ لَمَّا دَخَلَ فِي الْمَعْدُودَاتِ انْتَفَى عَنِ الْمَعْلُومَاتِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُضَافُ إِلَى الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ كَمَا قال تعالى: {سَبْع سَمَواِتٍ طِبَاقاً وجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) {نوح: ١٦) وَلَيْسَ الْقَمَرُ في جَمِيعَهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) (البقرة: ١٩٧) وَلَيْسَ الْحَجُّ فِي جَمِيعِهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِهَا وَكَمَا يُقَالُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَتِ الْجُمُعَةُ تُقَامُ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا تُقَامُ فِي بَعْضِهِ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ الذِّكْرَ عَلَى الْبَهِيمَةِ إِلَى الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالذِّكْرُ عِنْدَنَا يَقَعُ فِي جَمِيعِ الْعَشْرِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ وَسَمَّى اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَبَّرَ مِنْ أَوَّلِ الْعَشْرِ عَلَى مَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ فَأَمَّا الْمَنَافِعُ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) {الحج: ٢٨) فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: إِنَّهَا الْمَوَاقِفُ وَقَضَاءُ الْمَنَاسِكِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهَا الْمَغْفِرَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>