سَلْمَانَ رَعَفَ فِي حَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا سَلْمَانُ أَحْدِثْ وُضُوءًا وَهَذَا أَمْرٌ، قَالُوا وَلِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ خَرَجَتْ إِلَى مَحَلٍّ يَلْزَمُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَوَجَبَ أَنْ تَنْقُضَ الْوُضُوءَ كَالْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَلِأَنَّ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِنَّمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْبَدَنِ كَمَا أَنَّ مَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ يَكُونُ بِدَاخِلٍ إِلَى الْبَدَنِ فَلَمَّا لَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الْفِطْرُ بَيْنَ وُصُولِهِ مِنْ سَبِيلٍ مُعْتَادٍ وَغَيْرِ مُعْتَادٍ وَجَبَ أَلَّا يَقَعَ الْفَرْقُ فِيمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ سَبِيلٍ مُعْتَادٍ وَغَيْرِ مُعْتَادٍ.
وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حدثٍ، وَالْحَدَثُ أن يفسوا أَوْ يَضْرِطَ " فَاقْتَضَى ظَاهِرُهُ انْتِفَاءَ الْوُضُوءِ عَمَّا سِوَاهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَرَوَى حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى غَسْلِ مَحَاجِمِهِ وَهَذَا نَصٌّ.
وَرَوَى ثَوْبَانُ قَالَ قَاءَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ وَضُوءًا وَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ هَذَا وضوءٌ، قَالَ: " لَوْ كَانَ مِنْهُ وضوءٌ لَوَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ". وَرَوَى عقيل بن جابر عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ بِكَلَانِيَةٍ فِي اللَّيْلِ فَقَامَ رجلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِفَمِ الشِّعْبِ فَصَلَّى فَرُمِيَ بسهمٍ فَنَزَعَهُ، وَرُمِيَ بسهمٍ آخَرَ حَتَّى رُمِيَ بِثَلَاثَةِ أسهمٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ بِالْوُضُوءِ وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِغَسْلِ الدَّمِ وَهُوَ عِنْدَكُمْ وَاجِبٌ وَالصَّلَاةُ مَعَهُ فَاسِدَةٌ وَكَذَلِكَ حَالُ الْوُضُوءِ قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ دَمِهِ وَيَسِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْكَثْرَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَصِيرُ كَدَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْهَا، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِ الْحَدَثِ الْمُعْتَادِ فَوَجَبَ أَلَّا يَنْقُضَ الْوُضُوءَ قِيَاسًا عَلَى الدُّودِ الْخَارِجِ مِنَ الْمَخْرَجِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَنْقُضِ الْوُضُوءَ بِقَلِيلِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ بِكَثِيرِهِ كَالدُّمُوعِ وَالْعَرَقِ، وَلِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقَلِيلِ الْقَيْءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِكَثِيرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute