وَالثَّانِي: وُجُودُ الْحُكْمِ مَعَ ارْتِفَاعِ الْعِلَّةِ حَتَّى إِذَا ثَبَتَ الرِّبَا فِيمَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَانَ نَقْضًا، وَمَتَى كَانَ الْحُكْمُ جُمْلَةً لَمْ يَنْتَقِضْ بِالتَّفْصِيلِ وَمَتَى كَانَ مُفَصَّلًا انْتَقَضَ بِالْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ. وَقَدْ يُحْتَرَزُ مِنَ النَّقْضِ إِذَا كَانَ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَارْتِفَاعِ الْحُكْمِ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ:
إِمَّا احْتِرَازٌ بِحُكْمٍ ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ، وَإِمَّا احْتِرَازٌ بِشَرْطٍ مُقَيَّدٍ بِالْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ الِاحْتِرَازُ بِحُكْمٍ ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ مِثَالُهُ: تَعْلِيلُ الحنفي قتل المسلم بالذمي بأنهما حران مكلفان مَحْقُونَا الدَّمِ كَالْمُسْلِمَيْنِ. فَإِذَا نُوقِضَ بِقَتْلِ الْخَطَأِ وَعَدَمِ الْقَوْدِ فِيهِ قَالَ:
قَدِ احْتَرَزْتُ مِنْ هَذَا النَّقْضِ بِالرَّدِّ إِلَى الْمُسْلِمَيْنِ، فَإِنَّ الْقَوْدَ بَيْنَهُمَا يَجْرِي فِي الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَأِ فَكَذَا فِي الْفَرْعِ.
وَهَذَا الْجَوَابُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالنَّقْضُ لَازِمٌ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْمَنْطُوقُ بِهَا وَالْحُكْمُ مَا صَرَّحَ بِهِ، وَالنَّقْضُ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمُظْهَرِ دُونَ الْمُضْمَرِ.
وَإِنْ كَانَ الِاحْتِرَازُ بِشَرْطٍ فَقَيْدٌ بِالْحُكْمِ.
فَمِثَالُهُ: إِذَا عَلَّلَ الْحَنَفِيُّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ بِأَنَّهُمَا حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ مَحْقُونَا الدَّمِ، أَنْ يَقُولَ: فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ.
فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا. هَلْ يَكُونُ هَذَا الِاحْتِرَازُ مَانِعًا مِنَ النَّقْضِ؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَمْنَعُ هَذَا الِاحْتِرَازُ مِنَ النَّقْضِ وَيَكُونُ هَذَا اعْتِرَافًا يَنْقُضُ الْعِلَّةَ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِالذِّكْرِ وَكَانَتْ هِيَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الْحُكْمِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تُؤَثِّرُ إِلَّا بِشَرْطٍ يَقْتَرِنُ بِالْحُكْمِ.
وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ هَذَا الِاحْتِرَازُ مَانِعٌ مِنَ النَّقْضِ وَالْعِلَّةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مُتَقَدِّمٌ فِي الْمَعْنَى.
وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ: الْمُعَارَضَةُ. وَقَدْ تَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِالنَّصِّ.
وَالثَّانِي: بِعِلَّةٍ فَأَمَّا مُعَارَضَةُ الْعِلَّةِ بِالنَّصِّ فَيُنْظَرُ حَالُ النَّصِّ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْمَلٍ كَانَتِ الْعِلَّةُ الَّتِي عَارَضَتْهُ فَاسِدَةٌ. لِأَنَّ النَّصَّ أَصْلٌ مُقَدَّمٌ وَالْقِيَاسَ فَرْعٌ مُؤَخّرٌ.
وَإِنْ كَانَ النَّصُّ مُجْمَلًا جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ إِنْ كَانَ جَلِيًّا، وَفِي جَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِالْقِيَاسِ إِنْ كَانَ خَفِيًّا وَجْهَانِ.
وَأَمَّا مُعَارَضَةُ الْعِلَّةِ بِعِلَّةٍ فَضَرْبَانِ: