وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ:
آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَ خَيْبَرَ بِقَلادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ. فَقَالَ لَا حَتَى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ قِيلَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَدَّهُ لِأَنَّ ذَهَبَ الْقَلَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ ذَهَبِ الثَّمَنِ قُلْنَا: لَا يَصْحُّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَطْلَقَ الْجَوَابَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ فَدَلَّ عَلَى اسْتِوَاءِ الْحَالَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَ الْمُشْتَرِي إِنَّمَا أَرَدْتُ الْخَرَزَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ يَسِيرٌ دَخَلَ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ.
وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ ابْتَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِالذَّهَبِ بِذَهَبٍ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَا يَصْلُحُ هَذَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْهُ فَقَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَتُحَدِّثُنِي عَنْ رَأْيِكَ وَاللَّهِ لَا أُسَاكِنُكَ أَبَدًا.
فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا.
ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى هُوَ أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ إِذَا جَمَعَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْقِيمَةِ كَانَ الثَّمَنُ مُقُسَّطًا عَلَى قِيمَتِهِمَا لَا عَلَى أَعْدَادِهِمَا، يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَصْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنِ اشْتَرَى شِقْصًا مِنْ دَارٍ وَعَبْدًا بِأَلْفٍ فَاسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ كَانَ مَأْخُوذًا بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ اعْتِبَارًا بِقِيمَتِهِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَكُونُ مَأْخُوذًا بِنِصْفِ الثَّمَنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَنِ اشْتَرَى عَبْدًا وَثَوْبًا بِأَلْفٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الثَّوْبَ أَوْ تَلِفَ كَانَ الْعَبْدُ مَأْخُوذًا بِحِصَّتِهِ مِنَ الْأَلْفِ وَلَا يَكُونُ مَأْخُوذًا بِنِصْفِ الْأَلْفِ.
وَإِذَا كَانَتِ الْأُصُولُ تُوجِبُ تَقْسِيطَ الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ اقْتَضَى أن يكون العقد ها هنا فَاسِدًا لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْعِلْمُ بِالتَّفَاضُلِ.
وَالثَّانِي: الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ. لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ، أَوْ يَكُونُ دِرْهَمًا لَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ.
فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ التَّفَاضُلُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا كَانَ التَّمَاثُلُ مَجْهُولًا، وَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ. فَلَمْ يَخْلُ الْعَقْدُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْفَسَادِ.