أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صِنْفٌ غَيْرُ السَّمْكِ كَمَا أَنَّ بَيْضَ الطَّيْرِ صِنْفٌ غَيْرُ لَحْمِ الطَّيْرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ لَحْمِ السَّمَكِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ معه حيا وميتا. وَإِذَا وَضَحَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْصِيلِ اللُّحُومِ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنَ الشُّحُومِ فَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا أَصْنَافٌ جَازَ بَيْعُ الصِّنْفِ مِنْهَا بِصِنْفٍ آخَرَ، مُتَمَاثِلًا وَمُتَفَاضِلًا، رَطْبًا وَيَابِسًا، وَزْنًا وَجُزَافًا كَلَحْمِ الْغَنَمِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ لَكِنْ يَدًا بِيَدٍ، وَإِنْ قُلْنَا هِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بَعْضٌ بِبَعْضٍ إِلَّا يَابِسًا بِيَابِسٍ مُتَمَاثِلًا بِالْوَزْنِ. فَأَمَّا بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَطْبًا فَغَيْرُ جَائِزٍ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: يَجُوزُ كَمَا جَازَ بَيْعُ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ احْتِجَاجًا بِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ مَوْجُودٌ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ كَاللَّبَنِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَا يُوجَدُ مِنْ مَنَافِعِ اللَّحْمِ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ عِنْدَ يُبْسِهِ، وَمَنَافِعَ اللَّبَنِ الرَّطْبِ لَا تُوجَدُ فِيهِ عِنْدَ يُبْسِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ اللَّحْمِ الرَّطْبَ بِاللَّحْمِ الرَّطْبِ لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ قِيلَ إِنَّ اللُّحْمَانَ صِنْفٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى غَايَةِ يُبْسِهِ وَبَلَغَ أَقْصَى جَفَافِهِ جَازَ حينئذ بيع بعضه بعض بِخِلَافِ التَّمْرِ الَّذِي يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ إِذَا بَلَغَ أَوَّلَ جَفَافِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى غَايَةِ يُبْسِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالتَّمْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - إِنَّ اللَّحْمَ بِاللَّحْمِ يُبَاعُ وَزْنًا وَيَسِيرُ النَّدَاوَةُ فِيهِ تُؤَثِّرُ فِي وَزْنِهِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ يُبَاعُ كَيْلًا وَيَسِيرُ النَّدَاوَةُ فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ فِي كَيْلِهِ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّ ادِّخَارَ التَّمْرِ فِي أَوَّلِ جَفَافِهِ يُمْكِنُ وَادِّخَارَ اللَّحْمِ فِي أَوَّلِ جَفَافِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَصَارَ التَّمْرُ فِي أَوَّلِ الْجَفَافِ مُدَّخَرًا واللحم في أول الجفاف غير مدخر.
قال الشَّافِعِيُّ فَإِنْ حُمِلَ اللَّحْمُ الْيَابِسُ فِي بَلَدٍ كَثِيرِ النَّدَى وَكَانَ مَا أَصَابَهُ مِنَ النَّدَى يَزِيدُ فِي وَزْنِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، فَأَمَّا اللَّحْمُ إِذَا كَانَ فِي خِلَالِهِ عَظْمٌ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ بِيعِهِ بِاللَّحْمِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُمْنَعُ كَمَا لَا يَمْنَعُ النَّوَى إِذَا كَانَ فِي التَّمْرِ مِنْ بَيْعِهِ بِالتَّمْرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ أَصَحُّ - إِنَّ الْعَظْمَ فِي اللَّحْمِ يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ بِاللَّحْمِ، وَفَارَقَ النَّوَى فِي التَّمْرِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ النَّوَى فِي التَّمْرِ مِنْ صَلَاحِهِ وَلَيْسَ بَقَاءُ الْعَظْمِ فِي اللَّحْمِ مِنْ صَلَاحِهِ، فَأَمَّا الْجِلْدُ إِذَا كَانَ عَلَى اللَّحْمِ فَإِنْ كَانَ غَلِيظًا لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ بِاللَّحْمِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يُؤْكَلُ مَعَهُ كَجُلُودِ الْجِدَاءِ وَالدَّجَاجِ فَهَلْ يُمْنَعُ إِذَا كَانَ عَلَى اللَّحْمِ مِنْ بَيْعِهِ بِاللَّحْمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْعَظْمِ، فَأَمَّا لُحُومُ الْحِيتَانِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا بَعْضِهَا بِبَعْضٍ طَرِيًّا وَلَا نَدِيًّا وَلَا مَمْلُوحًا؛ لِأَنَّ الْمِلْحَ يَمْنَعُ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ وَلَكِنْ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إِذَا بَلَغَ غَايَةَ يُبْسِهِ غَيْرَ مَمْلُوحٍ إِلَّا أَنْ تَقُولَ إِنَّ الْحِيتَانَ أَصْنَافٌ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهَا كَانَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ طَرِيًّا وَمَمْلُوحًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute