للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الطَّلْعِ فِي أَلَّا يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِلنَّخْلِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ نَمَاءٌ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يَتْبَعْ أَصْلَهُ فِي الْبَيْعِ فَوَجَبَ إِذَا كَانَ كَامِنًا لَمْ يَتْبَعْهُ فِي الْبَيْعِ كَالزَّرْعِ.

بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ انْتَفَى ذَلِكَ الْحُكْمُ عَنِ الْوَصْفِ الْآخَرِ فَلَمَّا جَعَلَ الْآبَارَ حَدًّا لِمِلْكِ البائع فقد جعل ما قبله حدا لملك الْمُشْتَرِي.

الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِشَرْطِ التَّأْبِيرِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُجْعَلَ لَهُ مَعَ عَدَمِ التَّأْبِيرِ.

وَدَلِيلٌ ثَالِثٌ مِنَ الْخَبَرِ وَهُوَ أَنَّ نصه على التأبير لا يخلوا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى غَيْرِهِ، أَوِ التَّمَيُّزُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّنْبِيهُ لِأَنَّ الحكم مَا لَمْ يُؤَبَّرْ أَخْفَى مِنْ حُكْمِ مَا قَدْ أُبِّرَ وَالتَّنْبِيهُ مَا يَقْصِدُ بِهِ بَيَانُ الْأَخْفَى لِيَدُلَّ عَلَى حُكْمِ الْأَظْهَرِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّمَيُّزُ عَنْ غَيْرِهِ وَأَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَصٌّ بِهِ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْشَدَ قَوْلَ الْأَنْصَارِيِّ حِينَ حَرَّمَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُلُوكِ الْجَاهِلِيَّةِ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ لَهُ:

(جَدَدْتَ جَنَى نخلتي ظالما ... وكان الثمار لمن قد أبر)

فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَكَانَ الثِّمَارُ لِمَنْ قَدْ أَبَّرَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إِثْبَاتًا لِهَذَا الْحُكْمِ.

كَمَا أَنْشَدَ قَوْلَ الْأَعْشَى: وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ.

فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ ".

تَثْبِيتًا لِهَذَا الْقَوْلِ.

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَبَايَعَا نَخْلًا ثُمَّ اخْتَصَمَا فِي الثَّمَرَةِ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلَّذِيَ لَقَّحَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّلْقِيحَ وَهُوَ التَّأْبِيرُ عِلْمٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فِي تَمْلِيكِ الثَّمَرَةِ فَإِنْ لَقَّحَ الْبَائِعُ كَانَتِ الثَّمَرَةُ لَهُ وَإِنْ لَقَّحَ الْمُشْتَرِي اقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ لَهُ.

وَلِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ إِذَا كَانَتْ طَلْعًا بِمَثَابَةِ الْحَمْلِ إِذَا كَانَ مُسْتَجِنًّا فَإِذَا أَبْرَزَتْ مِنْ طَلْعِهَا كَانَتْ كَالْحَمْلِ إِذَا انْفَصَلَ عَنْ أُمِّهِ فَلَمَّا كَانَ الْحَمْلُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ فِي الْبَيْعِ اقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ قَبْلَ بُرُوزِهَا مِنَ الطَّلْعِ تَبَعًا لِلنَّخْلِ فِي الْبَيْعِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّهُ نَمَاءٌ مُسْتَجِنٌّ فِي أَصْلِهِ فَوَجَبَ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>