للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ عَلَى الْقَطْعِ لِيَصِحَّ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى التَّبْقِيَةِ لِيَفْسُدَ.

وَلِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ لَمْ يُشْتَرَطْ تَرْكُهَا فَجَازَ بَيْعُهَا كَالْمَشْرُوطِ قَطْعُهَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ جَازَ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ بَيْعُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَالْبَادِيَةِ الصَّلَاحِ.

وَدَلِيلُنَا: مَا رَوَيْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْخَمْسَةِ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا وَاتِّفَاقِ مَعَانِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَكَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّهْيَ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَعْهُودِ مِنَ الْبَيْعَاتِ، وَالْمَعْهُودُ مِنَ الْبَيْعِ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ دُونَ تَقَيُّدِهِ بِالشَّرْطِ فَصَارَ النَّهْيُ بِالْعُرْفِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيِّدِ.

وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى بَيْعِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ عَلَى شَرْطِ التَّرْكِ أَوْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ لِجَوَازِهِ إِجْمَاعًا، وَلَا عَلَى شَرْطِ التَّرْكِ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ مُطْلَقًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ.

وَلِأَنَّ إِطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّبْقِيَةَ وَالتَّرْكَ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْقَبْضِ يَجْرِي مَجْرَى الشَّرْطِ، وَالْعُرْفَ فِي الثِّمَارِ أَنْ تُؤْخَذَ وَقْتَ الْجِدَادِ فَصَارَ الْمُطْلَقُ كَالْمَشْرُوطِ تَرْكُهُ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ اشْتِرَاطَ تَرْكِهَا مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ فَكَذَا إِطْلَاقُ عَقْدِهَا الَّذِي يَجْرِي بِالْعُرْفِ مَجْرَى اشْتِرَاطِ تَرْكِهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا لِلْبَيْعِ.

وَلِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ إِفْرَادُ بَيْعِهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ قَطْعِهَا قِيَاسًا عَلَى بَيْعِهَا بِشَرْطِ التَّرْكِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ فِي أَنَّ إِطْلَاقَ عَقْدِهَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَ قطعها فهو أنها دعوى تخالف فِيهَا وَلَيْسَ التَّسْلِيمُ بِالْقَطْعِ وَالتَّحْوِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِرَفْعِ الْيَدِ وَالتَّمْكِينِ.

وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقُهُ ثُمَّ يَعْتَبِرُ حُكْمَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ قَطْعُهُ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التُّرْكَ فَبَطَلَ، وَالْمُشْتَرَطُ قَطْعُهُ لَا يَقْتَضِي التَّرْكَ فَصَحَّ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَا بَدَا صَلَاحُهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَرْفَعُ النَّصَّ فَكَانَ مَطْرُوحًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا بَدَا صَلَاحُهُ قَدْ نَجَا مِنَ الْعَاهَةِ وَجَازَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ فَلِذَلِكَ جَازَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَبْدُ صلاحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>