للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغرر وشراء الدين بالدين فمعنى قوله " إلا أن يشترطه المبتاع " على معنى ما حل كما أباح الله ورسوله البيع مطلقا على معنى ما يحل لا على ما يحرم (قال المزني) قلت أنا وقد كان الشافعي قال يجوز أن يشترط ماله وإن كان مجهولا لأنه تبع له كما يجوز حمل الأمة تبعا لها وحقوق الدار تبعا لها ولا يجوز بيع الحمل دون أمه ولا حقوق الدار دونها ثم رجع عنه إلى ما قال في هذا الكتاب (قال المزني) والذي رجع إليه أصح ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى الْقَوْلَانِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ إِذَا مُلِّكَ وَدَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ أَصَحَّ الْقَوْلَيْنِ مَا قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ فَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَقَدْ مَلَّكَهُ مَالًا لَمْ يَخْلُ حَالَ الْعَقْدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَا إِخْرَاجَ مَالِهِ مِنَ الْعَقْدِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَا إِدْخَالَ مَالِهِ فِي الْبَيْعِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُطْلِقَا فَإِنْ شرطا إِخْرَاجَ مَالِهِ خَرَجَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَا الْعَقْدَ فَلَمْ يَدْخُلْ مَالُ الْعَبْدِ فِي الْبَيْعِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ جَمِيعُ ما ملكه السيد دون العبد على قولين جَمِيعًا وَقَالَ مَالِكٌ يَكُونُ مِلْكًا لِلْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْمُعْتِقِ " وَهَذَا نَصٌّ فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَطَا دُخُولَ مَالِهِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ يَخْتَلِفُ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ مَالِهِ حَتَّى يَسْلَمَ مَالُهُ مِنَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ وَالرِّبَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ أَنْ يُشْتَرَطَ تَبَعًا لِلْعَبْدِ فَلَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَوْ مَجْهُولًا أَوْ دَيْنًا، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ أَوْ ذَهَبٌ، وَالثَّمَنُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ، وَالثَّمَنُ فِضَّةٌ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَ مَالُهُ ثِيَابًا حَاضِرَةً أَوْ عُرُوضًا مُشَاهَدَةً صَحَّ بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَوْ كَانَ مَالُهُ ذَهَبًا فَبِيعَ بِالْفِضَّةِ أَوْ فِضَّةً فَبِيعَ بِالذَّهَبِ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ قَدْ جَمَعَ مَبِيعًا وَصَرْفًا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ مَالِهِ مَعًا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مَجْهُولًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ جَوَازِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَعَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فيه اشتراط المشتري له هو شرط لتبقية مَالَهُ عَلَيْهِ وَمَانِعٌ لِانْتِزَاعِ السَّيِّدِ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَكَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ مِنْ يَدِهِ كَمَا كَانَ لِلْبَائِعِ انْتِزَاعُهُ مِنْ يَدِهِ فَلَمَّا شَرَطَهُ كَانَ الشَّرْطُ اسْتِيفَاءَ إِكْمَالِهِ وَمَنْعًا لِلسَّيِّدِ مِنَ انْتِزَاعِهِ ثُمَّ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْزِعَ مَالَهُ مِنْ يَدِهِ كَمَا لِلْبَائِعِ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ.

وَاسْتُدِلَّ لِصِحَّةِ هَذَا التَّعْلِيلِ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ " فَجَعَلَهُ لِلْمُبْتَاعِ بِالشَّرْطِ لَا بِالشِّرَاءِ وَلَوْ كَانَ يَصِيرُ لَهُ بِالشِّرَاءِ لَقَالَ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ الْمُبْتَاعُ فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يَكُونُ مال العبد مَبِيعًا مِنْهُ فَيَصِحُّ الْمَبِيعُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا أَوْ غَائِبًا أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>