وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا مِمَّا قَدْ يَخْلُو مِنْهُ الْعَقْدُ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي الْخِيَارِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي الرَّهْنِ أَوْ فِي قَدْرِهِ أَوْ فِي الضَّمِينِ أَوْ فِي عَيْنِهِ.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَا لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَقْدُ مِنْ قَدَرِ الثَّمَنِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ قَدْرِ الْمُثَمَّنِ أَوْ صِفَتِهِ فَالِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَالِاخْتِلَافُ فِي صِفَتِهِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِدَرَاهِمَ صِحَاحٍ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي بِمُكَسَّرَةٍ أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ بِدَرَاهِمَ بِيضٍ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي بِدَرَاهِمَ سُودٍ وَالِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْمُثَمَّنِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بعتك العبد بِأَلْفٍ وَيَقُولَ الْمُشْتَرِي بَلْ بِعْتَنِي كَذَا بِأَلْفٍ أو يقول البائع بعتك هذا كذا من طعام بِأَلْفٍ فَيَقُولَ الْمُشْتَرِي بَلْ بِعْتَنِي الْعَبْدَ مَعَ الْفَرَسِ بِأَلْفٍ. وَالِاخْتِلَافُ فِي صِفَةِ الْمُثَمَّنِ أَنْ يَقُولَ أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ دِرْهَمًا فِي طَعَامٍ مَيْسَانِيٍّ فَيَقُولُ بَلْ فِي طَعَامٍ شَامِيٍّ أَوْ فِي ثِيَابٍ مَرْوِيٍّ فَيَقُولُ بَلْ فِي هَرْوِيٍّ فَإِذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَا ذَكَرْتُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْعَقْدِ عَلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مذهب شريح والشعبي أن يقول فِيهِ قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى مِلْكِهِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي اعْتِبَارًا بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنِ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى مِلْكِهِ.
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ تَالِفَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً بِحَالِهَا تَحَالَفَا.
وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ يَتَحَالَفَانِ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً أَوْ تَالِفَةً وَلَا اعْتِبَارَ بِالْيَدِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ تلفها قبل القبض فإن ذلك مبطلا لِلْعَقْدِ.
وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة عَلَى أَنَّ تَلَفَ السِّلْعَةِ يَمْنَعُ مِنَ التَّحَالُفِ وَيُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي بِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا أَوْ تَرَادَّا " فشرط في التحالف بقاء السلعة. فاقتضى انتفاء التَّحَالُفِ مَعَ تَلَفِ السِّلْعَةِ، وَقَالَ وَلِأَنَّهُ فَسْخٌ ثَبَتَ مَعَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ مَعَ تَلَفِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَالَ: وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ تَلَفَ عَنْ عَقْدٍ صَحِيحٍ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْهُ الْفَسْخُ أَصْلُهُ إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي خِيَارِ الثَّلَاثِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَبَطَلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ مَعَ تَلَفِهِ الْفَسْخَ قَالَ: وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا قُبِضَ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى مُشْتَرِيهِ بِالثَّمَنِ فَلَوْ جَازَ تَحَالُفُهُ بَعْدَ الثَّمَنِ لَصَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ دُونَ الثَّمَنِ وَهَذَا مِمَّا يُنَافِي ضَمَانَ الْعَقْدِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَحَالُفِهِمَا مَعَ بَقَاءِ السِّلْعَةِ وَتَلَفِهَا مَا رُوِيَ عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute