للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ إِنْ كَانَ شَرْطًا وَاحِدًا صَحَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَهُ الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ أكثر من شرط بطل البيع.

وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ شَرْطُ الْبَائِعِ مِنْ مَنَافِعِ الْمَبِيعِ يَسِيرًا كَسُكْنَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ وَإِنْ كَثُرَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِحَدِيثِ بَرِيرَة أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا أَرَادَتِ شراؤها مَنَعَ مَوَالِيهَا إِلَّا بِأَنْ تَشْتَرِطَ لَهُمُ الْوَلَاءَ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اشْتَرِي وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فاشترها فأبطل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الشَّرْطَ وَأَمْضَى الْبَيْعَ وَقَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لَمَنْ أَعْتَقَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ. وَهَذَا النَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي. فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْبَائِعِ فَقَدْ مَنَعَتْهُ مِنِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى الثَّمَنِ وَأَدَّتْ إِلَى جَهَالَةٍ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ مَنَعَتْهُ مِنْ تَمَامِ مِلْكِهِ لِلْمَبِيعِ وَأَضْعَفَتْ تَصَرُّفَهُ فِيهِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا. وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْتَاعَ مِنْهُ بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَقَالَ لَكَ ظَهْرُهُ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَدِينَةَ ". قَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في عقده شرطا فاسدا فدله عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ. فَأَمَّا اسْتِدْلَالُ مَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فَفِيهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شَرْطٌ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ.

وَالثَّانِي: لَمْ يَكُنْ ذَاكَ مَعَ جَابِرٍ بَيْعًا مَقْصُودًا لِرِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَاهُ الثَّمَنَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَمَلَ وَقَالَ: " أَتُرَانِي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُمَا لَكَ " فَدَلَّ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا أَرَادَ مَنْفَعَتَهُ لَا مُبَايَعَتَهُ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ مَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِحَدِيثِ بَرِيرَة فَإِنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَة وَهُوَ الَّذِي اخْتَصَّ بقول وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ إِلَّا عَنْهُ. عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ أَيْ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَهُمُ اللعنة} [الرعد: ٢٥] أي عليهم اللعنة. وَقِيلَ إِنَّ الشَّرْطَ إِنَّمَا كَانَ فِي الْعِتْقِ لَا فِي الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرَادَ بِهَذَا الشَّرْطِ إِبْطَالَ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ لتقرر الشَّرْطُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فَكَانَ حُكْمُهُ مَخْصُوصًا. وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ مِنْ إِجَازَةِ شَرْطٍ وَاحِدٍ وَإِبْطَالِ أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ إِنْ جَرَى مَجْرَى الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا وَاحِدًا وَكَذَا الْقَوْلُ لِمَالِكٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>