الْعِتْقِ بِأَنْ لَا يُعْتِقَ وَجْهٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَضْلِ مَزِيَّةِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا لاعتباره بالكتابة لأن الكتابة معاوضة بشبه اشْتِرَاط بَيْعِهِ وَلَا تُشْبِهُ اشْتِرَاطَ عِتْقِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْبَيْعَ جَائِزٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ النَّاقِلُ لِهَذَا الْقَوْلِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُ وَلَا يُحْفَظُ عَنْهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ أَبِي ثَوْرٍ وَوَجْهُهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يَصِحُّ مَعَهُ البيع في موضع بحال فليس جائز أن يكون مذهبا فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا فَلَعَلَّ مِنْ دَلِيلِ قَائِلِهِ حَدِيثَ بَرِيرَةَ. أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا أَبْطَلَ بَيْعَهَا بِاشْتِرَاطِ الْعِتْقِ وَلَا أَلْزَمَ عائشة عتقها فإنما أُعْتِقَتْ بِاخْتِيَارِهَا. فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ بَاطِلَانِ فَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي إنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ صَحِيحَانِ فَقَدِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عِتْقَهُ بِالشَّرْطِ. فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَقَدْ فَعَلَ ما لزمه ويكون ولاؤه لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتِقُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَنَى الْعَبْدُ قَبْلَ عِتْقِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي جِنَايَتِهِ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي بِفِدْيَتِهِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ عِتْقِهِ سَبَبٌ مِنْ جِهَتِهِ فَجَرَى مَجْرَى أُمِّ وَلَدِهِ.
وَالثَّانِي: لَا يُجْبَرُ عليه لاستقرار مِلْكِهِ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِبَائِعِهِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ لِأَجْلِ شَرْطِهِ. فَلَوْ تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يُعْتِقْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا حَتَّى مَاتَ فِي يَدِهِ كَانَ فِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي بِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَضْمَنَهُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَنْ بَيْعٍ صحيح.
والوجه الثاني: أنه يضمن بِالثَّمَنِ وَبِالْقَدْرِ الَّذِي سَمَحَ بِهِ الْبَائِعُ حِينَ شَرَطَ عِتْقَهُ لِأَنَّ مَا فِي مُقَابَلَةِ السَّمَاحَةِ فِي الْعِتْقِ لَمْ يُوجَدْ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ دُونَ الثَّمَنِ وَيَكُونُ مَوْتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ مُبْطِلًا لِبَيْعِهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ فِيهِ.
وَإِنْ قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ فَعِتْقُهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ عَلَى مُشْتَرِيهِ لِفَسَادِ اشْتِرَاطِهِ وَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ عِتْقِهِ وَإِمْسَاكِهِ. فَإِنْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ ولا مضار لبائعه وإذا عَتَقَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ كَفَّارَةٍ وَاجِبَةٍ فَهَلْ يَجْزِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَصَحُّهُمَا: يَجْزِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مَالِكًا لَهُ وَمُخَيَّرًا فِي عِتْقِهِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجْزِيهِ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُوكِسٌ في ثمنه فكان كالنقص به. وإن امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ عِتْقِهِ فَهَلْ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ: