فِيهِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءً كَانَ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ تَرْكَ الزِّيَادَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا عُدُولٌ عَنِ الْحَظِّ لِلْيَتِيمِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِالنَّقْدِ دُونَ النّسَاءِ لِأَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ أَحْفَظُ لِلْمَالِ مَعَ اتِّصَالِ التِّجَارَةِ بِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ النّسَاءُ أَحَظَّ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: زِيَادَةُ الثَّمَنِ عَلَى سِعْرِ النَّقْدِ.
وَالثَّانِي: قُرْبُ الْأَجَلِ.
وَالثَّالِثُ: ثِقَةُ الْمُشْتَرِي وَيَسَارِهِ.
وَالرَّابِعُ: الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ.
وَالْخَامِسُ: الرَّهْنُ فِيهِ عَلَى مَا سَنُوَضِّحُ مِنْ أَحْكَامِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَدْفَعَ مَا بَاعَهُ نَقْدًا إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ نَاضًّا. وَهَذَا شَرْطٌ فِي حَقِّ الْوِلَايَةِ لَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنْ أَقْبَضَ الْمَبِيعَ كَانَ ضَامِنًا لِثَمَنِهِ لَا لِلْمَبِيعِ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ سَقَطَ ضَمَانُهُ عَنِ الْيَتِيمِ بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الثَّمَنِ فَيَصِيرُ الْوَلِيُّ بِدَفْعِ ذَلِكَ ضَامِنًا لِمَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي حَصَلَ التَّفْرِيطُ بِتَأْخِيرِ قَبْضِهِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِهِ بَرًّا وَلَا بَحْرًا لِمَا فِي السَّفَرِ مِنَ التَّغْرِيرِ بِالْمَالِ. رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ الْمُسَافِرَ وَمَالَهُ عَلَى قلْت إِلَّا مَا وقى الله " أي على خطر.
فَإِنْ سَافَرَ بِمَالِهِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ قَرِيبَةً وَالطَّرِيقُ آمِنًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَبْضَعَتْ بِأَمْوَالِ بَنِي أَخِيهَا فِي الْبَحْرِ فَفِيهِ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ فِي سَاحِلِ بَحْرِ الْجَارِ بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ غَالِبُ ذَلِكَ السَّلَامَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ ضَمِنَتِ الْمَالَ بِالْغَرَرِ إِنْ تَلِفَ مُبَالَغَةً في طلب الربح لبني أخيها.
فَإِذَا اتَّجَرَ الْوَلِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ عَلَى الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَهَلْ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِحَقِّ عَمَلِهِ أَمْ لَا؟ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَاطِعًا لَهُ عَنْ عَمَلِهِ وَلَا مَانِعًا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي شُغْلِهِ وَكَانَ وَاجِدًا مُكْتَفِيًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ يَقْطَعُهُ ذَلِكَ عَنْ عَمَلِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: