قِيلَ: وَإِنْ كَانَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ هَذَا فَإِطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ التُّرَابَ لِأَنَّ الْكُحْلَ وَالزِّرْنِيخَ لَا يُسَمَّى صَعِيدًا، وَإِذَا كَانَ لِلِاسْمِ إِطْلَاقٌ وَاشْتِقَاقٌ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى إِطْلَاقِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى اشْتِقَاقِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً، حَنِثَ بِرُكُوبِ الْخَيْلِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِرُكُوبِ النَّعَمِ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الدَّابَّةِ مُشْتَقًّا مِمَّا يَدِبُّ.
ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: " سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُعْطِيتُ مَا لَا يُعْطَى نبيٌ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ لِيَ التُّرَابُ طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ ". فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرُ التُّرَابِ طَهُورًا لَهُ لَذَكَرَهُ فِيمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصِيبُ أَهْلِي وَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ قَالَ: " أَصِبْ أَهْلَكَ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ عَشْرَ سِنِينَ فَإِنَّ التُّرَابَ كَافِيكَ " فَلَمَّا جَعَلَ اكْتِفَاءَ أَبِي ذَرٍّ فِي التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِغَيْرِ التُّرَابِ، وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ التَّخْيِيرُ فِيمَا يَتَطَهَّرُ بِهِ كَالْوُضُوءِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: لِأَنَّهَا إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ فَلَمْ يَتَخَيَّرْ فِيهَا بَيْنَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْوُضُوءِ، وَلِأَنَّهُ جَوْهَرٌ مُسْتَوْدَعٌ فِي الْأَرْضِ فَلَمْ يُجْزِ التَّيَمُّمُ بِهِ كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ جَامِدًا وَمَائِعًا، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهَا فِي الْمَائِعِ تَخْتَصُّ بِأَعَمِّ الْمَائِعَاتِ وُجُودًا وَهُوَ الْمَاءُ، فَكَذَلِكَ فِي الْجَامِدِ يَجِبُ أَنْ تَخْتَصَّ بِأَعَمِّ الْجَامِدَاتِ وُجُودًا وَهُوَ التُّرَابُ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا نَقَلَنَا مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَتَعَذُّرِهِ إِلَى مَا هُوَ أَيْسَرُ وُجُودًا وَأَهْوَنُ فَقْدًا، وَالْكُحْلُ وَالزِّرْنِيخُ أَعَزُّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ وُجُودًا مِنَ الْمَاءِ، فَلَمْ يُجِزْ أَنْ نَنْتَقِلَ عَنِ الأهون إلى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute