للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ: قَدْ زَالَ ضَمَانُ الْغَصْبِ بِالرَّهْنِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لا يقتضي زمان الْغَصْبِ، كَمَا أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَقْتَضِي ضَمَانَ الْغَصْبِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ عَلَيْهِ سَقَطَ ضَمَانُ الْغَصْبِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يُنَافِيهِ فَوَجَبَ إِذَا رَهَنَهُ إِيَّاهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ الْغَصْبِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُنَافِيهِ. وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَقْتَضِي ضَمَانَ الْغَصْبِ لوجب إذا ورد على ضمان الغصب أن يسقطه كَالْبَيْعِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ يُنَافِي الضَّمَانَ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَهَنْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْكَ لَمْ يَصِرْ مضمونا، وإذا تنافيا بابتداء لَمْ يَجْتَمِعَا وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِلْآخَرِ، فَلَمَّا ثَبَتَ عَقْدُ الرَّهْنِ اتِّفَاقًا انْتَفَى الضَّمَانُ حِجَاجًا.

قَالُوا: وَلِأَنَّ لِلْغَصْبِ حُكْمَيْنِ: الضَّمَانُ بِابْتِدَائِهِ. وَالْإِثْمُ بِاحْتِبَاسِهِ. فَلَمَّا كَانَ عَقْدُ الرَّهْنِ رَافِعًا لِلْإِثْمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِلضَّمَانِ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ أَحَدُ مُوجِبَيِ الْغَصْبِ فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ بِعَقْدِ الرَّهْنِ كَالْإِثْمِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ كَمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ، فَلَمَّا صَارَ مَقْبُوضًا رهنا وجب أن ينتقل عن كونه كَمَا لَوْ صَارَ مَقْبُوضًا وَدِيعَةً. فَانْتَقَلَ عَنْ كَوْنِهِ مَقْبُوضًا غَصْبًا وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ عَقْدُ أَمَانَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِضَمَانِ الْغَصْبِ كَالْوَدِيعَةِ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى غَاصِبِهِ وَعَقْدُ الرَّهْنِ لَا يُنَافِي ضَمَانَ الْغَصْبِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى عَلَيْهِ بَعْدَ الرَّهْنِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعِ الرَّهْنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ فِي الِانْتِهَاءِ لَمْ يَمْنَعْ ضَمَانَ الْغَصْبِ فِي الِابْتِدَاءِ. وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ عَقْدُ رَهْنٍ فَوَجَبَ أَلَّا يَمْنَعَ ضَمَانَ الْغَصْبِ كَالِانْتِهَاءِ؛ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْغَصْبِ كَمَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يَنْفِي ضَمَانَ الْجِنَايَةِ فَوَجَبَ أَلَّا يَنْفِيَ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ ضَمَانٌ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ، فَوَجَبَ أَلَّا يَسْقُطَ بِالرَّهْنِ كَضَمَانِ الْجِنَايَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ قَدْ يَصِيرُ مَرْهُونًا بِجِنَايَتِهِ، كَمَا يَصِيرُ مَرْهُونًا بِعَقْدِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى الْغَاصِبِ جِنَايَةً وَجَبَ أَرْشُهَا فِي رَقَبَتِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَإِنْ صَارَ مَرْهُونًا بجنايته فوجب إِذَا رَهَنَهُ بِحَقٍّ فَصَارَ وَثِيقَةً فِي رَقَبَتِهِ أَلَّا يَسْقُطَ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَإِنْ صَارَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ. وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ فَوَجَبَ أَلَّا يَسْقُطَ وُجُوبَ ضَمَانِهِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَاصِبِ بِرَقَبَتِهِ كَالْجِنَايَةِ. وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَوْ سَقَطَ بِارْتِهَانِ الْغَاصِبِ لَسَقَطَ بِارْتِهَانِ غَيْرِ الْغَاصِبِ. فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ غَيْرَ الْغَاصِبِ إِذَا ارْتَهَنَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنِ الْغَاصِبِ ضَمَانُهُ وَجَبَ إِذَا ارْتَهَنَهُ الْغَاصِبُ أَلَّا يَسْقُطَ ضَمَانُهُ عَنْهُ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهَا عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ بِالْغَصْبِ فَوَجَبَ أَلَّا يَسْقُطَ ضَمَانُهَا بِعَقْدِ الرَّهْنِ. أَصْلُهُ: إِذَا رَهَنَهُ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>