للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأُخْرَى كَانَتِ الْمَقْبُوضَةُ رَهْنًا دُونَ الْأُخْرَى بِجَمِيعِ الحق ".

قال الماوردي: إِذَا رَهَنَهُ دَارَيْنِ بِأَلْفٍ فَإِنْ أَقْبَضَهُ إِيَّاهُمَا كَانَتَا رَهْنًا مَعًا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَهْنًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ. وَلَوْ أَقْبَضَهُ إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى كَانَتِ الْمَقْبُوضَةُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ.

وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ أَقْبَضَهُ الدَّارَيْنِ كَانَتَا رَهْنًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِحِصَّتِهَا مِنَ الْأَلْفِ، وَإِنْ أَقْبَضَهُ إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى كَانَتِ الْمَقْبُوضَةُ رَهْنًا بِحِصَّتِهَا مِنَ الْأَلْفِ، وَلَا تَكُونُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ اسْتِدْلَالًا بِشَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّهْنَ عُقِدَ عَلَى عَيْنٍ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ كَالْبَيْعِ، فَلَمَّا كَانَ لَوْ بَاعَهُ دَارَيْنِ بِأَلْفٍ كانت كل واحدة منهما مبيعة بحصتهما مِنَ الْأَلْفِ، وَلَا تَكُونُ مَبِيعَةً بِجَمِيعِ الْأَلْفِ فَكَذَلِكَ الرَّهْنُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ كَالضَّمَانِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ ضَمِنَا أَلْفًا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا، وَلَا تَكُونُ الْأَلْفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. كَذَلِكَ الرَّهْنُ إِذَا رَهَنَهُ دَارَيْنِ بِأَلْفٍ كَانَتِ الْأَلْفُ مُقَسَّطَةً عَلَيْهِمَا وَلَا تَكُونُ جَمِيعُ الْأَلْفِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.

وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ جَمِيعُ الرَّهْنِ مُحْتَبَسًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ حَتَّى لَوْ رَهَنَهُ عَلَى أَلْفٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا إِلَّا دِرْهَمًا كَانَ جَمِيعُ الرَّهْنِ مُحْتَبَسًا بِالدِّرْهَمِ الْبَاقِي، دَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ كُلَّهُ وَكُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ رَهْنٌ فِي الْحَقِّ كُلِّهِ وَفِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فَاسِدٌ بِالْمَبِيعِ يَتَقَسَّطُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَلَوْ قَبَضَ الْبَائِعُ بَعْضَ ثَمَنِهِ كَانَ لَهُ حَبْسُ جَمِيعِهِ بِالْبَاقِي؟ قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنَ الْمَبِيعِ بِقِسْطِ مَا قَبَضَ وَيَحْتَبِسُ مِنْهُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ حَتَّى لَوْ بَاعَ كُرَّيْنِ من طعام بألف وقبض منها نَصِفَهَا لَزِمَهُ تَسْلِيمُ أَحَدِ الْكُرَّيْنِ، وَكَانَ لَهُ احْتِبَاسُ الْكُرِّ الْبَاقِي فَعَلَى هَذَا سَقَطَ السُّؤَالُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ شَيْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ جَمِيعِ الثَّمَنِ. ثُمَّ هَذَا السُّؤَالُ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ فِي الْمَبِيعِ حَقَّيْنِ: حَقَّ اسْتِحْقَاقٍ، وَهَذَا مُتَقَسِّطٌ وَحَقُّ اسْتِيثَاقٍ وَهَذَا غَيْرُ مُتَقَسِّطٍ كَالرَّهْنِ، وَهُوَ إِنَّمَا يَحْتَبِسُهُ بِحَقِّ الِاسْتِيثَاقِ لَا بِحَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ فَصَارَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالرَّهْنِ.

وَالدَّلَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فِي الْحَقِّ كَالشَّهَادَةِ وَالضَّمَانِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الشَّهَادَةَ وَذِمَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>