تَصِحُّ مِنْهُ سَائِرُ عُقُودِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى أُمِّ وَلَدٍ لَهُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا تُبَاعُ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ.
وَالثَّانِي: أَنْ قَالَ: لَا يَكُونُ إِحْبَالُهُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ عِتْقِهَا وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَبْطَلْتُ عِتْقَهَا فَإِنْ مَلَكَهَا لَمْ تُعْتَقْ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِنْ أَحْبَلَهَا فَبِيعَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ سَوَّى بَيْنِ الْإِحْبَالِ وَالْعِتْقِ فِي النُّفُوذِ بَعْدَ الْمِلْكِ كَمَا سَوَّى الْمُزَنِيُّ بَيْنَهُمَا فِي الْإِبْطَالِ بَعْدَ الْمِلْكِ: فَقَالَ: إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ فَبِيعَتْ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ ثُمَّ مَلَكَهَا عَتَقَتْ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَحْبَلَهَا فَبِيعَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ. فَعَلَى هَذَا، يَسْقُطُ السُّؤَالُ.
وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ إِذَا أَعْتَقَهَا فَبِيعَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ تُعْتَقْ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَحْبَلَهَا فَبِيعَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أن العتق قول فإذا أبطل فِي الْحَالِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمٌ فِي الثَّانِي. وَالْإِحْبَالُ فِعْلٌ إِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْحَالِ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الثَّانِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةِ مِلْكٍ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ مَلَكَهَا صَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الثَّانِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ وَأَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةَ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهَا ومن بَعْدُ لَمْ تُعْتَقْ عَلَيْهِ، فَبَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
وَالثَّالِثُ: إِنْ قَالَ: كَيْفَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِحَادِثٍ مِنْ شِرَاءٍ وَهِيَ فِي مَعْنَى من أعتقها محجورا عَلَيْهِ ثُمَّ أَطْلَقَ عَنْهُ الْحَجْرَ فَهُوَ لَا يَجْعَلُهَا حُرَّةً عَلَيْهِ إِنْ مَلَكَهَا فَكَذَلِكَ الْإِحْبَالُ إِذَا لَمْ تَصِرْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا مَلَكَهَا.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: اعْتِبَارُ إِحْبَالِ الرَّاهِنِ بِعِتْقِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الرَّاهِنَ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّهْنِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ. الْحُكْمُ فِي إِحْبَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَعِتْقِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ لَمْ تُعْتَقْ عَلَيْهِ وَلَوْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ إِحْبَالِ الرَّاهِنِ بِإِحْبَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَعِتْقُ الرَّاهِنِ بِعِتْقِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ إِحْبَالَهُمَا يَنْفُذُ وعتقهما لا ينفذ.
فأما قول الشافعي وَلَا يَكُونُ إِحْبَالُهُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ عِتْقِهَا فَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ الْإِحْبَالَ أَضْعَفُ حَالًا مِنَ الْعِتْقِ، بَلِ الْإِحْبَالُ أَوْلَى وَأَقْوَى مِنَ الْعِتْقِ لِنُفُوذِهِ مِنَ الْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالْمُفْلِسِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي قَدْ أَحَاطَتْ دُيُونُهُ بِتَرِكَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَعْنًى ذَهَبَ عَلَى الْمُزَنِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ نَافِذٌ فِي الْحَالِ وَالْإِحْبَالَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ فِي ثَانِي حَالٍ قَالَ فَلَمَّا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ الَّذِي يَنْفُذُ فِي الْحَالِ فَأَوْلَى أَلَّا يَخْرُجَ مِنْهُ بِالْإِحْبَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ في ثاني حال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute