وَدَلِيلُنَا هُوَ تَيَمُّمٌ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْفَرْضَ لم يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرْضَ قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا تَيَمَّمَ وَلَمْ يَنْوِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَرْفَعْهُ تَعَيَّنَتِ النِّيَّةُ لِمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ لِتَكَونَ النِّيَّةُ مُخْتَصَّةً بِعِبَادَةٍ، وَإِذَا لَزِمَ تَعْيِينُ النِّيَّةِ بِالْعِبَادَةِ الْمُسْتَبَاحَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ مُتَنَوِّعٌ، وَهَذَا أَغْلَظُ حُكْمًا، وَالنَّفْلُ تَبَعٌ، وَهُوَ أَخَفُّ حُكْمًا.
وَالْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّيَمُّمَ الْوَاحِدَ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ أَدَاءُ فَرْضَيْنِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَأْتِي وَمَعْنَاهُ الْمَانِعُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ تَبَعًا لِلْأُولَى وَكَذَا الْفَرِيضَةَ لَيْسَتْ تَبَعًا لِلنَّافِلَةِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ على الوضوء فالمعنى يفيه: أَنَّهَا طَهَارَةُ رَفَاهَةٍ فَكَانَ حُكْمُهَا أَقْوَى فِي أداء الفرض بتيمم النفل، والتيمم طهارة ضرورة فَضَعُفَ حُكْمُهَا عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ بِتَيَمُّمِ النَّفْلِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى النَّفْلِ فَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مِنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ إِذَا نَوَى بِهِ الْفَرْضَ فَصِرْنَا قَائِلِينَ بِمُوجِبِهِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي النَّفْلِ أَنَّهُ كَانَ أَخَفَّ حُكْمًا جَازَ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِتَيَمُّمٍ لَمْ يُقْصَدْ لَهُ وَالْفَرْضُ أَغْلَظُ حُكْمًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِتَيَمُّمٍ لَمْ يُقْصَدْ لَهُ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ ينوي تيمم صَلَاةَ الْفَرْضِ فَيُجْزِئُهُ لِلْفَرِيضَةِ وَالنَّوَافِلِ، لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَلْزَمُهُ تَعْيِينُ الْفَرْضِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ فَإِذَا نَوَى تَيَمُّمَ صَلَاةِ الْفَرْضِ جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ أَيَّ فَرْضٍ شَاءَ مِنْ ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَدَّى بِهِ فَرْضًا وَاجِبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ فَرْضًا فَائِتًا، وَيُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَلَمْ يُصَلِّهَا وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا غَيْرَهَا مِنْ فائتة أو غير فائتة جاز؛ لأن تَيَمُّمٌ كَامِلٌ لِفَرْضٍ لَمْ يُؤَدِّهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَعْيِينَ نِيَّةِ الْفَرْضِ فِي تَيَمُّمِهِ وَاجِبَةٌ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا، وَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ النَّوَافِلَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ أَضْعَفُ مِنَ الْوُضُوءِ فَلَزِمَهُ تَعْيِينُ الصَّلَاةِ الَّتِي تُؤَدَّى فِي نِيَّتِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ عِنْدَ الظُّهْرِ فَرْضًا فَائِتًا لَمْ يَجُزْ.
وَالْحَالُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَنْوِيَ بِتَيَمُّمِهِ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْمُحْدِثُ بِتَيَمُّمِهِ حَمْلَ الْمُصْحَفِ أَوْ يَنْوِيَ الْجُنُبُ بِتَيَمُّمِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَوْ تَنْوِيَ الْحَائِضُ بتيممها وطأ الزَّوْجِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا نَوَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ النَّفْلَ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute