والحال الثَّالِثَةُ: أَنْ يُصَدِّقَ الْمُرْتَهِنُ وَيُكَذِّبَ الرَّاهِنُ فَعَلَى الْعَدْلِ الْيَمِينُ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنُ مِنْ إِحْلَافِ الْعَدْلِ عَلَى مِلْكِهِ لِأَجْلِ تَصْدِيقِ غَيْرِهِ، فَإِنْ حَلَفَ الْعَدْلُ بَرِئَ من الثمن، وإن نكل عن اليمين ردت الْيَمِينُ عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنْ حَلَفَ الرَّاهِنُ وَجَبَ عَلَى الْعَدْلِ غَرَامَةُ الثَّمَنِ، فَإِذَا غَرِمَ الثَّمَنَ اخْتُصَّ بِهِ الرَّاهِنُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ لِإِقْرَارِهِ بِتَلَفِ مَا كَانَ حَقُّهُ مُتَعَلِّقًا بِهِ، فَإِنْ سَأَلَ الرَّاهِنُ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْبِضَ حَقَّهُ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي غَرِمَهُ الْعَدْلُ وَيُبَرِّئُ الرَّاهِنَ مِنْ حَقِّهِ، فَإِنْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ بَرِئَ الرَّاهِنُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَوَجَبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّ مَا قَبَضَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعَدْلِ، لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يُقِرُّ أَنَّ الْعَدْلَ مظلوم به وأنه باق على ملكه.
والحال الرَّابِعَةُ: أَنْ يُصَدِّقَ الرَّاهِنُ وَيُكَذِّبَ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ إِحْلَافُ الْعَدْلِ، وَقَدْ بَرِئَ الْعَدْلُ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَهَلْ تَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنِ الْعَدْلِ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ تَكْذِيبِ الْمُرْتَهِنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي مُدَّعِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إِذَا صَدَّقَهُ الرَّاهِنُ وَكَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ هَلْ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، كَذَلِكَ الْعَدْلُ إِذَا ادَّعَى تَلَفَ الثَّمَنِ فَصَدَّقَهُ الرَّاهِنُ وَكَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ كَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ - أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْعَدْلَ قَدْ بَرِئَ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ إِحْلَافُهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ لِلْمُرْتَهِنِ فَإِنْ حَلَفَ الْعَدْلُ لِلْمُرْتَهِنِ بَرِئَ مِنَ الْحُكْمِ، وَإِنْ نَكَلَ الْعَدْلُ عَنِ الْيَمِينِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تُرَدَّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: لَا تُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَائِرٌ إِلَيْهِ.
فَعَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ وَجَبَ عَلَى الْعَدْلِ غَرَامَةُ الثَّمَنِ ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُ الثَّمَنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ بِإِزَاءِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَدْلِ بِجَمِيعِهِ، فَإِذَا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَقَطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَلَهُ قَبْضُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَمُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إِلَّا قِدْرَ حَقِّهِ، فَإِذَا أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ بَرِئَ الرَّاهِنُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ مُطَالَبَةُ الْعَدْلِ بما بقي من الثمن يعد حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّ الْعَدْلَ مَظْلُومٌ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، فَإِنْ قِيلَ، فَإِذَا كَانَ مَا قبضه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute