للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَجْهَيْنِ فِيمَا حَدَثَ بِالْمَبِيعِ مِنْ نَقْصٍ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي هَلْ يَجْرِي مَجْرَى حَادِثٍ مِنْ سَمَاءٍ أَوْ مَجْرَى جِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ - أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى حَادِثٍ مِنْ سَمَاءٍ.

وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْغُرْمُ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى جِنَايَةِ آدَمِيٍّ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبَائِعُ بِقَدْرِ غَرَامَةِ النَّقْصِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَلَا يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ عَلَى اسْتِهْلَاكٍ. وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ قَلْعِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَلَا يُجْبَرُوا عَلَى قَلْعِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ليس لعرق ظالم حق ".

فدل على غَيْر الظَّالِمِ لِعِرْقِهِ حَقٌّ، وَالْمُشْتَرِي حِينَ بَنَى وَغَرَسَ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا وَإِذَا لَمْ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْبَائِعِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَبْذُلَ لَهُمْ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ قَائِمًا أَوْ يَمْتَنِعَ. فَإِنْ بَذَلَ لَهُمْ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ قَائِمًا فَلِلْبَائِعِ - إِذَا بَذَلَ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ قَائِمًا أَنْ يَرْجِعَ بِأَرْشِهِ وَيُجْبِرَ الْمُفْلِسَ وَالْغُرَمَاءَ عَلَى أَخْذِ قِيمَةِ ذَلِكَ قَائِمًا أَوْ قَلْعِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْتَنِعَ الْبَائِعُ مِنَ الرُّجُوعِ بِأَرْضِهِ وَإِنِ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ بَذْلِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ قَائِمًا وَامْتَنَعَ الْمُفْلِسُ وَغُرَمَاؤُهُ مِنْ قَلْعِهِمَا مَعًا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ، وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى: أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِأَرْضِهِ. وَقَالَ بَعْدَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى: أَنَّهُ يَكُونُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ. وَلَا يَرْجِعُ بِأَرْضِهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَطَائِفَةٌ يُخْرِجُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ: أَنَّ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعَ بِأَرْضِهِ وَلَا يَكُونُ مَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي مَانِعًا مِنَ الرُّجُوعِ بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا فَصَبَغَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ مَصْبُوغًا بِصَبْغِ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ الصَّبْغُ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَرْضُ الْمَغْرُوسَةُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِهَا وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْمُشْتَرِي.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا لِلْبَائِعِ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْضِ لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ بِالْأَرْضِ مَعَ بَقَاءِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِيهَا ضَرَرًا لَاحِقًا بِمَالِكِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِأَنَّ حِيطَانَ الْبِنَاءِ وَسُقُوفَهُ تَزُولُ مَنَافِعُهَا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ التَّصَرُّفُ فِي الْأَرْضِ وَالْغِرَاسِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِطْرَاقُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالتَّصَرُّفِ فِي الْأَرْضِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزِيلَ عَنِ الْبَائِعِ ضَرَرًا بِاسْتِرْجَاعِ الْأَرْضِ بِإِدْخَالِ ضَرَرٍ عَلَى الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا بَنَى وَغَرَسَ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ إِلَّا بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزِيلَ ضَرَرًا عَنِ الشَّفِيعِ بِإِدْخَالِ ضَرَرٍ عَلَى الْمُشْتَرِي وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَارَقَ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ، لِأَنَّ الْبَائِعَ إِذَا رَجَعَ بِالثَّوْبِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْمُفْلِسِ ضَرَرٌ فِي الصَّبْغِ، لِأَنَّ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ يَسْتَوْدِعُ أَمِينًا حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>