قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: ٥٩] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ".
ثُمَّ كَانَ هَذَا السِّنُّ مُجْمَعًا عَلَى الْبُلُوغِ بِهِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَا دُونَهُ مردودا بظاهر الثمن. وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي فِي الْمُقَاتِلَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَ بَدْرٍ وَأَنَا ابْنُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي ولم يرني بلغت وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي فِي الْمُقَاتِلَةِ. فَالدَّلَالَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ عَلِمَ أَنَّ إِجَازَتَهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ، لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُ لِمَعْنًى ثُمَّ يُجِيزُهُ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَجَازَهُ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي الْمُقَاتِلَةِ وَهُمُ الْبَالِغُونَ وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِأُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنَّ هَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ، فَإِنْ قِيلَ: فَيَجُوزُ أن يكون ابن عمر بلغ خمس عشرة سنة بِالِاحْتِلَامِ لَا بِالسِّنِّ قِيلَ هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَنْقُولَ مَعَ السَّبَبِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ. كَمَا نُقِلَ أَنَّ مَاعِزًا زَنَا فَرُجِمَ. وَالسَّبَبُ الْمَنْقُولُ هُوَ السِّنُّ فَعُلِمَ أَنَّ الْبُلُوغَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّدَّ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لِلضَّعْفِ وَالْإِجَازَةَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ لِلْقُوَّةِ.
كَمَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ قَالَ: " عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَدَّنِي وَأَجَازَ غُلَامًا فَقُلْتُ رَدَدْتَنِي وَأَجَزْتَهُ وَلَوْ صَارَعْتُهُ لَصَرَعْتُهُ، فَقَالَ صَارِعْهُ فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فَأَجَازَنِي ".
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِجَازَةَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ.
قِيلَ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ لِلضَّعْفِ وَالْإِجَازَةُ لِلْقُوَّةِ حَمْلًا لَهُ عَلَى سَبَبِهِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عمر للسن حملا على سببه.
فإن قيل: لحديث ابْنِ عُمَرَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ نَقَلَ أَنَّ بَيْنَ أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ سَنَةً وَقَدْ رَوَى