للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ " فَكَانَ ذَلِكَ حَثًّا مِنْهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِلْمَالِ وَتَرْكِ إِمْسَاكِهِ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا حَجْرَ عَلَى حُرٍّ " فَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ كَغَيْرِ الْمُبَذِّرِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي عُقُودِهِ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي إِقْرَارِهِ كَالْمَجْنُونِ وَمَنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي إِقْرَارِهِ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي عُقُودِهِ كَالرَّشِيدِ.

فَلَمَّا صَحَّ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحَّ فِي مَالِهِ وَعُقُودِهِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ مَنْ قُبِلَ إِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ قُبِلَ إِقْرَارُهُ فِي مَالِهِ كَالرَّشِيدِ.

وَلِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِ نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِي مَالِهِ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إِبْطَالُ عُقُودِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ. فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ فِي غَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَ عُقُودَهُ الْمُسْتَقْبَلَةَ.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: ٥] الْآيَة.

وَالْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ، لأن السفه صفة قيام لَا تَتَوَجَّهُ إِلَّا عِلْمًا مُكَلَّف فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَوْله تَعَالَى: {الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥] أَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمُ الْقِيَامَ عَلَيْهَا.

وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥] ، ولا يجوز أن يتولى ذلك الأولى.

وقوله تعالى: {أموالكم} يَعْنِي أَمْوَالَهُمْ وَإِنَّمَا أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ لِتَصَرُّفِهِمْ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْهَا وَلَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ مِنْ غَيْرِ أَمْوَالِهِمْ. وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: ٢٨٢] .

فَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ.

وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَبْتَاعُ وَكَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ فَأَتَى أَهْلُهُ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ احْجُرْ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَبْتَاعُ وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>